بالمباشر … الغني والفقير !

عزيز بلبودالي

تحول زميل صحفي رياضي، يوم الأحد، وهو يقوم بتغطية مباراة للهواة على الهواء، جمعت بين شباب هوارة ونهضة الزمامرة، من واصف رياضي أتابع دائما، بتقدير وإعجاب، طريقة وصفه للمباريات، إلى واصف ومعلق على معركة أو حرب أكثر منها مباراة لكرة القدم، أشفقت على صديقي وزميلي وأنا أعرف مدى ولعه بكرة القدم، بفنيات اللاعبين، بمهاراتهم، بروعة الأهداف، وبجمالية المستطيل الأخضر، وأعرف أنه لا يفقه شيئا في المعارك وفي تبادل الضرب ووصف حالات الإصابات والجروح وتدخلات البوليس ورجال المطافئ، وأشفقت عليه أكثر وهو يتلعثم محاولا وصف ما كان يجري في الملعب بصوت خافت وكأنه يهمس في أذن المستمعين، خوفا، على ما كان يبدو، من أي رد فعل طائش من أي شخص من الأشخاص الكثيرين الذين كانوا وسط الملعب الذي تحول إلى ساحة معركة لا ضمان داخلها لسلامة أي شخص موجود.

حسب وصف الزميل، وأثق دائما في وصفه وفي المعلومات التي يلقيها على مسامعنا عبر محطته الإذاعية، فقد حملت سيارة الإسعاف من حملتهم للمستشفى، كما حملت سيارة الأمن من حملتهم لحمايتهم وإبعادهم من ساحة المعركة، وكان في مقدمتهم الحكم الذي أدار المباراة، وتسببت قراراته، حسب الوصف الإذاعي، في «نرفزة» الجميع.
حدث هذا في أولاد تايمة بجنوب المغرب، وقبل سنتين وفي منطقة الشمال، نجوت شخصيا من هجوم بالحجارة والعصي و»الزرواطات»، في ملعب أبى مسؤولو الفريق المحلي المضيف، تقبل أن الرياضة تتضمن الفوز، الهزيمة وكذا التعادل، فأججوا مجموعة من الجماهير، والنتيجة أن السماء في ذلك اليوم الشتوي البارد، وبدل أن ترسل قطرات مطرها، مدتنا بوابل من الحجارة كانت تسقط من الفضاء وكأنها صواريخ موجهة.
ولا يمر موسم رياضي دون أن تشهد مباريات كرة القدم في قسم الهواة بالتحديد، معارك تستعمل فيها الحجارة و»الزرواطة» وفي كثير من الأحيان السكاكين والسيوف، لمجرد أن حكما ما أخطأ، أو فريقا انهزم، أو لأن مسيرا أرادها « قربلة» تهربا من أي انتقاد من طرف الجمهور.
هي ملاعب أضحت ساحات حرب ومعارك حقيقية توصف خطأ أنها ملاعب لمباريات كرة قدم الهواة، وحتى عندما تكرمت الجامعة وأقنعت جهات أخرى وفي مقدمتها مصالح الدولة بمشاركتها إنجاز ملاعب جديدة، لم تخرج لنا تلك الملاعب بما يمكن من حماية الفرق والحكام والجمهور، ورجال الأمن أيضا. ولا أخفيكم أنني عشت حالة لن تسقط من ذاكرتي أبدا، وذلك حين اضطر أعضاء مكتب مسير لفريق ضيف، الدفاع عن شرطيين رمتهما المسؤولية للتكلف باستتباب الأمن في الملعب، ليتعرضا لهجوم «بلطجية» يصفون أنفسهم بأنصار الفريق المضيف، لا لشيء سوى لأن المكلفين بالأمن منعا مجموعة من الجماهير من دخول مستودع الملابس والتهجم على طاقم التحكيم.
قدرنا في هذا البلد السعيد، أن نعيش « الطبقية» في كل يوم، في كل مكان في كل قطاع وفي كل مجال، وحتى في كرة القدم، فهذه الطبقية حاضرة والفوارق موجودة. إذ تقام الدنيا ولا تقعد في ما يسمى بطولة احترافية، عند أي خروج عن النص في الملعب، بل وعند كل صفير أو احتجاج حيث ينتفض المحللون و»العلماء» والخبراء، ويمطروننا بتنظيراتهم حول الشغب وحول مجهودات لقجع ومن معه في محاربة هذه الآفة الخطيرة، أما في ملاعب الهواة، فلا يمر أسبوع دون أن تشهد أحداث عنف وضرب وتهديد لسلامة الناس، ولا من يحلل، ولا من ينظر، ولا من يقرر ويعاقب، وكأن بطولة «الهواة» من كوكب آخر، أو وكأنها في بحر الظلمات أو في بلاد الجن لا نراها ولا نشعر بها !
البطولة الاحترافية وبطولة الهواة، لا علاقة بينهما بتاتا، والعلاقة الوحيدة التي تجمعهما لا تتعدى الصورة التي يمنحاها لنا والتي تشبه كثيرا صورة أثرياء المغرب وفقرائه، فالهوة بين الطبقتين شاسعة جدا، والفوارق كبيرة جدا، والتقارب مستحيل بينهما، فلكل منهما عالمه الخاص، ولكل منهما أحلامه وطموحاته، الأول يتطلع لبسط النفوذ والتقدم في درجات الثراء، بينما الثاني لا يبحث سوى عن كسرة خبز هي الحلم وهي الأمل والمراد !
لا ننكر أن شروط الممارسة تحسنت لدى « الهواة» ، لكن ومع ذلك، لا يزال الأمن غير متوفر في كثير من ملاعبهم، ولا يزال «البلطجية» يتحكمون في أنديتهم، ولا يزال ممثلوهم في العصبة منشغلين بكل شيء إلا من التفكير في تطوير شروط محيطهم.
أريدكم أن تتمعنوا في جزء من تصريحات رئيس عصبة الهواة وتحللوه:
«شدد ( الرئيس)على أهمية التقدم بطلب إلى الجامعة من أجل تحيين المادة 18 في النظام الأساسي، حتى يتسنى لأعضاء المكتب التنفيذي للعصبة الوطنية للهواة، الحضور في الجمع العام للجامعة خلال كل سنة، عوض إعادة انتخاب ممثلين جدد لأندية الهواة في كل مرة، مفضلا أن يتم اختيار ممثلي فرق الهواة من داخل المكتب التنفيذي للعصبة الوطنية».
هادشي اللي فالحين فيه ! ! !

الكاتب : عزيز بلبودالي - بتاريخ : 18/10/2017