الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي في مؤسسة الفقيه التطواني 2/5

عبد السلام المساوي

المرجعيات الفكرية والسياسية للبرنامج الانتخابي الاتحادي

 

مساء الأربعاء 21 أبريل 2021، حل الأستاذ إدريس لشكر، الكاتب الأول لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، ضيفا على مؤسسة الفقيه التطواني ضمن حلقات رمضان بعنوان «الأحزاب السياسية بين رهان الانتخابات وانتظارات المجتمع».
وقد ارتأينا تأمل أجوبة-خطاب الكاتب الأول، قراءة حمولة الخطاب السياسية والقضايا التي قاربها، وسنقف في هذا المقال عند البرنامج الانتخابي الاتحادي؛ المرجعيات، المنهجية، المضامين…
يقول الأستاذ إدريس لشكر: إن الحزب سيدخل غمار الاستحقاقات القادمة تحت شعار «من أجل تناوب جديد ذي أفق اجتماعي وديموقراطي»، بناء على أطروحة خرج بها المجلس الوطني الأخير؛ هذه الأطروحة التي هي نتاج فكري وسياسي وعملي، المبلورة في برنامج انتخابي يسعى بالأساس في الأفق الاجتماعي ضمان العيش الكريم الممثل في الصحة والتعليم والسكن… وفي الأفق الديموقراطي ضمان الحريات والحقوق ودولة الحق والقانون والمؤسسات…
مرجعيات البرنامج الانتخابي الاتحادي
أكد الكاتب الأول أن أسس، مرتكزات، مرجعيات البرنامج الانتخابي للحزب، هي:
أولا، المرجعية الملكية، الخطب الملكية السامية ومبادرات جلالة الملك التي تهم عددا من القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية الحيوية بالبلاد.
أن الاتحاد الاشتراكي يجد نفسه في الخيارات الاستراتيجية والمبادرات الاجتماعية والإصلاحات الهيكلية التي يبشر بها جلالة الملك، ويحث عليها في كل مناسبة وحين، بل وينكب على الإشراف على الكثير منها.
يقول الأستاذ إدريس لشكر: أن البرنامج الانتخابي للحزب يروم إقرار منظومة شاملة للحماية الاجتماعية وتفعيل نموذج تنموي واقتصادي جديد، ويكرس البعد الديموقراطي والحداثي… وأن ما جاء به جلالة الملك يعتبر ثورة اجتماعية كبرى وحقيقية غير مسبوقة، فلم يرد في برنامج الحزب ولا في برامج أي حزب من الأحزاب مثل هذا السقف الزمني بالرغم من تواجدها الدائم كمطالب.
ثانيا، المرجعية الاشتراكية
لقد ظل الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية ينهل من الفكر الاشتراكي الديموقراطي معتبرا إياه بديلا حقيقيا عن الليبرالية المتوحشة التي تتبنى القضاء على أي تدخل للدولة…
«… وعلى هذا الأساس وانسجاما مع مبادئ الاشتراكية الديموقراطية، تتعلق المحددات الكبرى المؤطرة للنموذج الانتخابي الاتحادي البديل والناجع بالجاذبية الاستثمارية والعدالة الترابية والتضامن الاجتماعي..»
يومن الاتحاد الاشتراكي بأن الاشتراكية الديموقراطية هي البديل الضروري لمعالجة الاختلالات الاجتماعية، وإحدى مداخل الحداثة واستدراك التأخر التاريخي، فالاشتراكية ترتبط بالفضاء العقلي للحداثة، ومن هنا، آمن الاتحاد الاشتراكي، بضرورة تحيين الاشتراكية كمثال بفك ارتباطها بنماذج معينة وبالحفاظ على الشحنة الفكرية التي قامت عليها، أي التشبث بالأرضية الحداثية الثقافية للاشتراكية وخلفياتها الفلسفية الانوارية…
يقول الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي الأستاذ لشكر «إذا كنا في الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية قد حسمنا منذ عقود خلت في سؤال هويتنا، واعتبرنا أننا حزب يساري وطني، واشتراكي ديموقراطي، يتميز بتنوع روافده التأسيسية، ويجسد استمرارا لحركة التحرير الشعبية، فإننا في نفس الآن، كنا نعود من حين لآخر في بعض محطاتنا التنظيمية وكلما دعت الضرورة إلى ذلك، من أجل تدقيق بعض الجوانب المتعلقة بهويتنا السياسية، ولتفويت الفرصة أيضا على بعض محاولات التشويش، والتعتيم، وخلط الأوراق في المشهد الحزبي ببلادنا.»
وقول الأستاذ إدريس لشكر: أن الاتحاد الاشتراكي هو الحزب المغربي الوحيد الذي تمكنه مرجعيته الاشتراكية والاجتماعية من التواجد داخل الأممية الاشتراكية ثم التحالف الدولي الاجتماعي..
ثالثا، مقررات حزبنا
مقررات مؤتمراتنا الوطنية؛ المؤتمر الوطني العاشر والأرضية، يقول الاستاذ لشكر، التي تحملت بناء عليها المسؤولية للكتابة الأولى، مقررات المجلس الوطني والأرضية التوجيهية للنقاش الاتحادي في زمن الجائحة والتي زكاها الاتحاديات والاتحاديون، بالإضافة إلى مذكرة الحزب حول الإصلاح والعدالة الضريبية….
أن الاتحاد الاشتراكي ليس قفزة في فراغ؛ الاتحاد الاشتراكي قوة دفع تقدمية، يسارية اجتماعية-ديموقراطية تروم إصلاح وتطوير الأوضاع، والمساهمة في رسم خطوط المستقبل، ومناط تحول في المجالات كافة، السياسية والمؤسساتية والاجتماعية والثقافية….
وإذا كان الاتحاد الاشتراكي أداة إصلاح وتغيير في الحاضر ومناط تطوير وتحديث في المستقبل، فإن قدراته السياسية والفكرية على التكيف والرؤية البعيدة، ومؤهلاته النضالية والميدانية، لتجعل منه قوة فاعلة في حاضر البلاد ومستقبلها، كما كان وقود نضال وتغيير في الماضي البعيد والقريب.
الاتحاد الاشتراكي هو القوة المجتمعية الأكثر فعالية
أن الاتحاد الاشتراكي هو القوة المجتمعية الأكثر انفتاحا وتأهلا للمساهمة بفعالية في إنجاز الأوراش الإصلاحية، على قاعدة الجدلية الحية القائمة بين الإصلاح والاستقرار، في إطار مجتمع متماسك، متضامن ومتطور…
وفي هذا السياق الذي تحكمه إرادة المبادرة، لا انهزامية الانكفاء، تندرج جملة من الاقتراحات التي يطرحها الاتحاد الاشتراكي؛ في مجالات حيوية لصيقة بمعيش أفراد الشعب، سواء في المجال الاجتماعي أو في المجال السياسي والمؤسساتي…
ولسنا في حاجة إلى تذكير دعاة التشكيك في القدرة اللامحدودة للاتحاد الاشتراكي على احتواء وتجاوز كل الكبوات النضالية، عبر مساره النضالي الطويل، وعلى كفاءته العالية في التكيف الإيجابي والمنتج، مع حقائق البلاد، ومع مستجدات محيطها القريب والبعيد…
أن الاتحاد الاشتراكي الوفي لتاريخه الوطني، المتشبع بهويته التقدمية، المستند إلى جذوره الاجتماعية-الشعبية، ليشكل في عالم اليوم قوة سياسية، حداثية، تنخرط بوعي ومسؤولية في المساهمة في صنع مستقبل البلاد، عبر  مراهنتها المتبصرة، السياسية والتنظيمية، على دور الشباب، ودور المرأة، ودور الأطر الوطنية، ودور القوى المنتجة في البلاد في استيعاب التحولات الإنتاجية الجارية، واستدماج الثورات التكنولوجية المتواصلة..
بخصوص المنهجية  يقول الأستاذ إدريس لشكر: أن المنهجية المتبعة في إعداد البرنامج الانتخابي لا تنبني على القطائع، ولا تعتبر أن كل ما كان من قبل خراب، بل أن الأرضية الأساس في البرنامج تقوم على التراكم منذ الاستقلال، وتعتبر أن كل ما قامت به الحكومات السابقة وكل أبناء الوطن الذين تحملوا مسؤوليات، بالرغم من الاختلاف معهم في فترات معينة أو التوافق، فكل هؤلاء كانت لهم بصمة في تاريخ المغرب.
لا يمكن لعاقل أن ينكر ما بلغه المغرب من تطور في مجموعة من المجالات، ولا يمكن إنكار ما تحقق. لكن الممكن أحسن مما تحقق لا محالة. لكن أيضا لا يمكن إنكار حجم المشاكل التي يتخبط فيها المغرب، وهي مشاكل تتعلق بالمؤسساتي وبالعلاقات المجتمعية وبالانتماء والمواطنة التي تتصل أساسا من أخذ وعطاء.
بالفعل استطاع المغرب، خلال العقدين الأخيرين، تحقيق تحولات إيجابية وهامة ساهمت في توفير الشروط المناسبة لكسب الرهانات الكبرى سواء على صعيد تطوير البناء السياسي والمؤسساتي أو على صعيد تعزيز التنافسية الاقتصادية. كما تمكن من إنجاز مجموعة من المشاريع الكبرى التي ترتبط بالعديد من القطاعات الاستراتيجية من قبيل البنيات والتجهيزات الأساسية والطاقات المتجددة والصناعات المتطورة وغيرها.
غير أن انتعاش النمو الاقتصادي، الذي نتج عنه ارتفاع الثروة الإجمالية للبلاد، لم ينعكس بالشكل المأمول على صعيد تحسين الوضعية الاجتماعية على الرغم من التطور الملحوظ الذي سجلته بلادنا في ما يتصل بتراجع مستويات الفقر وتحسن أمل الحياة عند الولادة وتعزيز الولوج إلى الخدمات الأساسية وتقوية البنية التحتية العمومية (الماء، الكهرباء، الطرق). فبلادنا لم تستطع الارتقاء الشامل بالوضعية الاجتماعية بسبب استنفاد النموذج التنموي القائم لطاقته وقدرته على مسايرة التزايد المتواصل لحاجيات وانتظارات المواطنات والمواطنين وعلى الاستجابة للمستلزمات المتعددة المتعلقة بالعيش الكريم…
إن المشروع الذي يطمح إليه المغرب المعاصر ومغرب الغد يتمثل في إقامة مجتمع ديموقراطي ومتوازن يتسع لجميع الطاقات للمساهمة الفاعلة في إرساء النموذج التنموي الجديد. وهو ما يقتضي ترسيخ منظومة متماسكة أساسها المناصفة والمساواة والكرامة الإنسانية من أجل محاربة الإقصاء والتهميش وضمان الإشراك الفعلي لمختلف الفئات الاجتماعية في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
المغرب، اليوم، ليس في حالة ميؤوس منها، لكن هذا لا ينفي حجم المشاكل وتعقيداتها. يبقى الحل بيد المغاربة في خلق المناخ الملائم والصالح لهم.
هو المغرب الذي نريده والذي نرغب في أن يقوم على قيم واضحة للجميع انطلاقا من مجتمع الديموقراطية وحقوق الإنسان. ديموقراطية تنتفي فيها القبلية والدموية والمحسوبية والبيروقراطية القاتلة، ويحتكم الناس إلى القانون. ديموقراطية تكون فيها القوانين مسايرة لتطور المجتمع ولتطورات العصر. وحقوق الإنسان كما هي متعارف عليها دوليا انطلاقا من المرجعيات الدولية الموجودة في هذا الصدد.
المغرب الذي نريده؛ دولة المؤسسات ودولة الديموقراطية التشاركية، لكن انطلاقا من قيم الديموقراطية كما هي معروفة، وليس ديموقراطية صناديق الاقتراع الشعبوية (توظيف الدين والمال).
المغرب الذي نريد؛ يعيش فيه الناس باختلاف وتسامح وبحقوق مضمونة. لكن أيضا بتنمية تحقق للمغرب مكانته الوطنية والإقليمية والدولية.
الدولة الاجتماعية الراعية
يقول الأستاذ إدريس لشكر: «منظورنا لدور الدولة التي لا نريدها وفق مبادئنا الاشتراكية وموقفنا المعارض لفكرة تحطيم الدولة، أن تكون «جهازا حارسا» يسمح للصراع الاجتماعي واقتصاد السوق بالتحكم في مصير البلاد. فالدولة التي نريد غير محايدة تقوم بدور تحفيزي واجتماعي لصالح الفئات الاجتماعية الأكثر تضررا في المجتمع من خلال توفير شروط العيش الكريم والحماية الاجتماعية العادلة والمنصفة. إننا مع الدولة الداعمة للتخفيف من حدة آثار العولمة في إنتاج المزيد من الفقر والهشاشة في ظل غياب تنافسية الاقتصاد الوطني القادرة على تحقيق التوازن الاجتماعي.»
يقول الأستاذ إدريس لشكر: إن عددا من شعارات الحزب، خاصة في المجال الاجتماعي، تتحقق ويتبناها الجميع، في الوقت الذي كان فيه الاتجاه الليبرالي هو السائد، واليوم، الجميع شعر بالحاجة للدولة الاجتماعية الراعية والقائدة لمشاريع التنمية… ونذكر في هذا السياق بدور الصحة العمومية والتعليم العمومي في زمن الجائحة، ولاحظنا ارتباك القطاع الخاص الذي أبان عن عجز وتهافت كبير….

الكاتب : عبد السلام المساوي - بتاريخ : 24/04/2021