المجاهد عبد الرحمان اليوسفي المناضل الرمز
عبد السلام المساوي
البحث في سيرة عبد الرحمان اليوسفي يحيل مباشرة إلى البحث أيضا في تاريخ المغرب الحديث، ويكشف عن التناقضات غير المفهومة التي أفرزتها البلاد طيلة هذه المدة ، فهو الذي قاوم الاستعمار وانخرط في صفوف معركة البناء إلى جانب الراحل محمد الخامس رحمه لله، ثم قاد بمعية كل من عبد الله ابراهيم والمهدي بنبركة وعبد الرحيم بوعبيد وغيرهم حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية أكبر حزب معارض في تاريخ مغرب ما بعد الاستقلال، وهو الذي جر عليه الكثير من المتاعب والمحن والاعتقال والحكم الغيابي بالإعدام لأكثر من مرة…
الشرعية الوطنية والتاريخية
ينتمي عبد الرحمان اليوسفي إلى جيل «الحركة الوطنية» الذي رسم ومازال يرسم إلى اليوم علامات وضاءة ليس من السهل أن يأتي الزمان بها، فهو جيل القيمة والقوة الفاعلة الذي حقق معه المغرب الشيء الكثير، بل إن المغرب قد ضيع فرصة الاستفادة من قوة ذلك الفريق،على اعتبار أن حصيلة ما تحقق اليوم، هي دون الذي كانت تعده به إمكانات وقدرات تلك النخبة المناضلة…
من هذا الجيل الوطني إذن ،الذي كان يضم شخصيات متعددة المشارب والاتجاهات والتصورات، يستمد عبد الرحمان اليوسفي، وسائله وأغراضه وأدواته السياسية، فالرجل يختزل مرحلة كاملة من تاريخ المغرب، فهو السياسي العربي والحقوقي والزعيم المغربي الوحيد الذي قام بمحاولة إصلاح للمشهد السياسي ببلادنا، وفي نفس الآن العمل على إصلاح أجهزة السلطة والإدارة المغربية، وهو المشروع الذي ما زال متواصلا، من خلال القوانين التي صدرت عن قبة البرلمان، والنقاش المفتوح حول إعادة آلية التدبير في الدولة وفي المجتمع …دون إسقاط القوانين التي تلاحقت المصادقة عليها من قبل ممثلي الأمة ، مثل مدونة الشغل ومدونة الأسرة وقانون الأحزاب الجديد وإلزامية التغطية الصحية للمغاربة وغيرها.
لقد وعى اليوسفي على أسرة ترعرعت في مدرسة سياسية وطنية، إنها «مدرسة الحركة الوطنية»، التي تركت للتاريخ واحدة من أجمل وأحسن التجارب النضالية، هي تجربة «ثورة الملك والشعب»، الثورة التي خط بها أحرار المغرب بزعامة الراحل محمد الخامس، معنى لنضال الدولة والشعب ، من أجل مطلبين فقط هما: الحرية والاستقلال ، ثم الديموقراطية والحداثة، وهما المطلبان اللذان تم تضمينهما في وثيقة 11يناير 1944 التي تعتبر ميثاقا وطنيا بين الحركة الوطنية ومحمد الخامس، وبرنامج عمل وطني وسياسي مغربي محض، مما أثار حنق الامبريالية التي كانت ممثلة في كل من فرنسا واسبانيا، ومهد للمواجهة التي قادت إلى شن اعتقالات، ونفي في حق الوطنيين، ثم عزل الملك محمد الخامس عن السلطة، ونفيه الى جزيرة كورسيكا ثم مدغشقر.
وثيقة الاستقلال
عبد الرحمان اليوسفي الذي شرع في سن مبكرة في الإعداد لتقديم وثيقة الاستقلال، بعد أن توزعت بلاده عقب مؤتمر الجزيرة الخضراء، بين كل من فرنسا واسبانيا، فيما تم منح مدينة طنجة لتحالف دولي يضم مجموعة من الدول الاستعمارية، بسبب الموقع الاستراتيجي الهام لميناء المدينة، المطل على مضيق جبل طارق.
وقبل أن ينتقل إلى الرباط ليتابع تعليمه بثانوية مولاي يوسف كتلميذ داخلي، عمل على تشكيل خلية نضالية كانت لها علاقة وتنسيق بخلية أخرى هي خلية المدرسة المولوية المحاذية، وهو ما جر على اليوسفي متاعب كثيرة ومطاردات من قبل السلطات الفرنسية الاستعمارية، كما هو حال رفيقه المناضل المهدي بنبركة.
وأثناء البحث عنه لاعتقاله، التجأ اليوسفي إلى منزل شيخ الإسلام محمد بن العربي العلوي، قبل أن يغادره، وظل يتنقل بين مدينتي آسفي ومراكش لمواصلة عمله النضالي، وذلك قبل أن يستقر بمدينة الدار البيضاء ليوجه في السر خلايا المقاومة، وخلايا العمل النقابي، خاصة بحي كوزيمار الصناعي بالحي المحمدي بالدار البيضاء سنة 1949، وأيضا ليؤسس لمدرسة الاتحاد الحرة، التي كانت واحدة من المدارس التي أسسها الوطنيون المغاربة لمواجهة التعليم النظامي الفرنسي، وكان منهج التدريس في تلك المدارس الحرة مسايرا للتطورات العلمية والتربوية والتعليمية في العالم حينذاك، مما جعل أمر تحويلها إلى مدارس حكومية نظامية بعد الاستقلال أمرا يسيرا ومنتجا. وقد كان اليوسفي مع رفاقه في حزب الاستقلال آنذاك، مثل الفقيه البصري والمهدي بنبركة وعلال الفاسي وأحمد بلافريج من مهندسي هذا الاختيار الذكي، وهو الاختيار الذي تكامل مع اختيار وطني آخر، يتمثل في تأسيس العصبة الوطنية لكرة القدم، التي تضم فرق الأحياء وهي النواة الأولى للبطولة الوطنية، ضدا على البطولة الفرنسية، ووضعوا لها قانونها التنظيمي بما يتوافق وقوانين الفيفا . وفي هذا السياق، تأسست فرق خالدة مثل فريقي الوداد والرجاء البيضاويين، وكذا فريق الاتحاد البيضاوي لكرة القدم الذي يعود تأسيسه إلى سنة 1950 على يد عبد الرحمان اليوسفي نفسه، دون أن ننسى فريق مولودية بوطويل بالمدينة القديمة بالدار البيضاء الذي أسسه الشهيد الزرقطوني، زعيم المقاومة الوطنية.
قائد التناوب
يمكن القول إن عبد الرحمان اليوسفي، قد غامر عندما بالمشاركة في حكومة التناوب. وقد عزا الكثيرون سبب مشاركته إلى وطنيته الصادقة، التي تدفعه من أجل إنقاذ المغرب من «السكتة القلبية»، وكيف لا، وهو الذي خاض صراعا مريرا مع الحكم المركزي في سبيل مغرب يؤطره الحق والقانون والعدالة الاجتماعية….
ولذلك كانت أول خطوة قام بها هي إقناع أعضاء الحزب بالانخراط في منظور التناوب التوافقي رغم المعارضة الشديدة لهذا الاتجاه، لا سيما وأن تاريخ الحزب ظل مطبوعا بالمواجهات بينه وبين المخزن طيلة الأربعة عقود الماضية.
ومن ثمة كان اليوسفي هو أول معارض سياسي كبير في تاريخ المغرب الحديث، يقود حكومة مشروطة بوضعية سياسية معقدة، جعلت قطبا يساريا مهما يمارس الحكم والسلطة مع حلفائه إلى جانب الملك ضمن ميثاق مشترك غير مكتوب، ولأول مرة أيضا يتم النهوض بإصلاح أجهزة الدولة عبر إخراج ترسانة جديدة من النصوص القانونية والتنظيمية ، ويتم التراضي حول الخطوط التي ينبغي أن تتحرك ضمنها الحريات والحقوق بما فيها حرية الرأي والتعبير وحرية الصحافة وتأسيس الأحزاب والجمعيات، مع الدعوة في كل وقت وحين إلى تخليق الحياة العامة والتقليص من صلاحيات بعض الأجهزة الإدارية للدولة مثل وزارة الداخلية وغيرها.
ويحسب لليوسفي قدرته على التحكم والسيطرة على عالم المتناقضات، ولذلك استطاع أن يسير بحكومة تضم إلى جانب وزراء اتحاديين ويساريين ووزراء لهم انتماءات سياسية أخرى وآخرين يطلقون على أنفسهم وزراء السيادة…
كما يحسب لليوسفي أنه أول من حرك دعوى قضائية ضد مجهول في ملف بنبركة، على إثر التصريحات التي صدرت عن العميل السابق في جهاز «الكاب 1»، أحمد البخاري الذي اتهم المخابرات المغربية بالضلوع في مقتل الشهيد بن بركة وتذويب جثمانه في حامض «الاسيد» في معتقل دار المقري المخيف….
الكاتب : عبد السلام المساوي - بتاريخ : 08/08/2019