المغاربة قرروا إنهاء مرحلة القطبية المصطنعة

 عبد السلام المساوي 

 

إن التقاطب الديموقراطي يجب أن يتشكل اليوم من كل القوى النابعة من المجتمع، والتي تحمل مشروعا ديموقراطيا حداثيا، وتناضل بالوسائل الديموقراطية لبلوغه. ولأن الأشياء تعرف بضدها، فإن التقاطب المعاكس يتشكل من القوى التي تقاوم إقامة النظام الديموقراطي، أو أنها تستعمل لتحقيق أهدافها وسائل غير ديموقراطية أو أنها وافدة على المشهد السياسي ببلادنا.
إننا نضع هذا التصنيف، ونحن نفكر في طبيعة المرحلة  الانتقالية، باعتبار أن الأهداف الممكنة في مرحلة تاريخية معينة، هي البوصلة التي نحدد بها مواقع اصطفاف كل القوى السياسية والمجتمعية. والغاية المحددة لطبيعة المرحلة الانتقالية، هي في رأينا، التمكن من تثبيت نظام مؤسساتي ديموقراطي، بكل الخصائص المتعارف عليها دوليا.
إن هذه الغاية التي يتوقف عليها تقدمنا التاريخي في مجموعه، تتقاسمها مجموعة من القوى السياسية، تتفاوت وتختلف في منشئها، ومصالحها، وثقافتها ومواقعها الاجتماعية.
وإذا كان التقاطب الديموقراطي ضرورة منطق الممارسة السياسية وتفرضه أسئلة المرحلة؛ فإننا نحذر من المخاطر التي تتهدد الديموقراطية ببلادنا.
من هذه المخاطر، “القطبية المصطنعة” التي أساءت إلى الممارسة الحزبية وأسات إلى التنافس الديموقراطي، ويحاول أحد طرفيها اليوم إجهاض التناوب الديموقراطي الجديد بعد اندحار الطرف الآخر في استحقاقات 8 شتنبر.
نعم للقطبية؛ القطبية الحقيقية التي تنبثق موضوعيا من المجتمع وتكون استجابة لإشكالات سياسية، اقتصادية، اجتماعية وثقافية…. قطبية حزبية مؤسسة على قطبية فكرية وإيديولوجية، قطبية مؤسسة على مشروعين مجتمعيين مختلفين ومتناقضين.
وما عشناه، وما لاحظناه في انتخابات 2015 و2016، هو قطبية مصطنعة، قطبية تم خلقها والنفخ فيها في الكواليس بخلفيات ملغومة وأهداف مشبوهة، قطبية تم تسويقها من طرف وسائل الإعلام بشكل فظيع.
وكانت النتائج، التي نعرفها جميعا، نتائج غير معبرة وغير دالة، نتائج مصطنعة.
وكان المستفيد الأكبر من هذه القطبية المصطنعة هو حزب العدالة والتنمية إذ وظفها في الحملة الانتخابية بعنوان المظلومية. وكان الخاسر الأكبر هو من بذل جهودا كبرى ونفخ في “الوافد الجديد”، وراهن عليه ليحتل الصدارة… وكان الخاسر الكبير هو المغرب، وكان الخاسر الأكبر هو الديموقراطية.
القطبية المصطنعة أبانت عن فشلها، وعلينا، وعلى كل من يهمه شأن الديموقراطية ببلادنا، تفادي إعادة إنتاج الفشل وتعطيل الديموقراطية بلاعبي أحد طرفي القطبية المصطنعة.
يوم الأربعاء 8 شتنبر 2021 “… اختار المغاربة، بوضوح كامل إنهاء مرحلة التردد والقطبية المصطنعة، بكل ما في الكلمة من معنى، ولا يمكن “تأثيث” التناوب الجديد بآليات قديمة، قال المغاربة كلمتهم بشأنها.
…تشكل المشهد الحزبي لما بعد الاستحقاقات يبين المنحى التصاعدي لأحزاب بعينها، تضاعف عدد مقاعدها منذ الاستحقاقات السابقة، وكان الاتحاد جزءا من هذه الخارطة الجديدة، بحيث زاد عدد مقاعده بنسبة تقارب الضعف، ونفس الشيء لأحزاب أخرى، في حين تراجعت أحزاب القطبية المصطنعة، بشكل يوضح رسالة الناخب المغربي.
يجب ألا ننسى أن طرفي القطبية المصطنعة، حاولا قبيل الاستحقاقات، تكييف المناخ السياسي، ووضع إطار لعملهما، معا، وإذا كنا نؤمن بحرية كل الأحزاب في اختيار اصطفافاتها، فلا يمكننا أن نغفل قراءة القرار الشعبي الواضح والمسؤول.” رسالة الاتحاد ليوم الخميس 16 شتنبر 2021.
يريد الناس من السيد أخنوش أن يؤكد لهم أن “أغراس أغراس” تعني “نيشان” بدارجتنا المغربية العميقة، وتعني أن المكان اليوم في مغرب 2021 مفتوح لمن يستطيعون العمل لا لمن يحترفون الكلام، لمن يملكون شيئا ما يقدمونه للمغاربة، لا لمن لا يمتلكون إلا الفهلوة الفارغة لكي يبيعوها على أرصفة الطرقات.
المغاربة وصلوا بعد هاته العشرية المؤلمة إلى مرحلة لم يعودوا قادرين فيها إلا على رؤية وملاحظة ومعاينة وعيش المتغيرات المطلوبة على أرض الواقع… إنهم يطمحون إلى تحقيق تناوب جديد بأفق ديموقراطي واجتماعي.
وصلنا اليوم إلى مرحلة ترمقنا فيها دول عديدة وهي ترى النموذج المغربي الحضاري في طرد أحد طرفي القطبية المصطنعة، طرد إسلاميي السياسة من الحكومة اعتمادا على صوت الشعب وليس على الانقلاب أو ما شابه ذلك، ونريد أن يكون هذا الدرس المغربي مستمرا في التحالف مع من يملكون شيئا يقدمونه للمغاربة في هاته المرحلة الفاصلة عليهم أن يتقدموا بالفعل والعمل، لا بالكلام الفارغ والقول المرفوع عنه القلم، لكي ينخرطوا مع الملك وشعبه في هذه الثورة المباركة.
ما نطمح إليه هو قطبية حقيقية؛ قطبية طرفاها الأساسيان: قوى المحافظة والنكوص وقوى التغيير والحداثة
قطبية طبيعية يفرضها منطق التاريخ والسياسة، منطق التاريخ الذي لا تحركه النيات والرغبات والأمزجة.

الكاتب :  عبد السلام المساوي  - بتاريخ : 18/09/2021