المغرب-ألمانيا نحو حوار صريح و شجاع

نوفل البعمري

منذ أكثر من سنة دخلت العلاقة المغربية الألمانية أزمة غير مسبوقة، أزمة سياسية ودبلوماسية كانت حكومة ميركل قد دفعت المغرب إليها دفعاً، بسبب تحركاتها المعادية في المنطقة، وهي تحركات لم تكتف باستغلال ورقة أحد المطلوبين للعدالة والمتورط في قضايا إرهابية، بل تعدتها لمناقشة المغرب في قضاياه الحيوية، على رأسها القضية الوطنية، ومازاد من تعقيد الوضع هو ارتفاع حجم هذه التحركات العدائية مع توقيع الإعلان الثلاثي المغربي-الأمريكي-الإسرائيلي، والاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء.
هذا الوضع دفع المغرب لاتخاذ موقف واضح من هذه التحركات وصل لوقف كل أشكال التعاون الأمني والقضائي، وقطع العلاقة الدبلوماسية مع حكومة ميركل، خاصة مع صدور تقارير ألمانية تشير، بوضوح، إلى ضرورة عرقلة تقدم المغرب وتطوره الاقتصادي والسياسي في المنطقة مخافة تحوله لقوة حقيقية في شمال إفريقيا وفي القارة الإفريقية، وقد زاد هذا التقرير موضحاً ضرورة فرملة المغرب حتى لا يختل ميزان القوى في شمال إفريقيا، في إشارة خفية للوضع المضطرب بالجزائر، لذلك كان لزاما أن يقف المغرب ضد هذه التهديدات ويوقفها عند حدها.
اليوم مع ما عاشته ألمانيا من تغيير سياسي في المشهد المؤسساتي، الذي أوصل تحالف اليسار بقيادة الاشتراكيين تحت مسمى تحالف «إشارة المرور»، في إشارة لتعدد ألوان الطيف السياسي، التي تقود الحكومة الألمانية بقيادة الاشتراكي الديموقراطي أولافشولتس، هذا التحالف الذي لم يتعد وصوله للحكم أكثر من شهر فكان أول ملف تطرحه خارجيته للنقاش هو ملف الأزمة مع المغرب، التي تسببت فيها الاختيارات الديبلوماسية لميركل، بحيث أعلنت الخارجية الألمانية عن أملها في «العودة إلى علاقات جيدة وواسعة مع المغرب» معلنة عن سلسلة مواقف كتجسيد لهذه الرغبة، وهي مواقف تتمثل في:
-ألمانيا الجديدة تنظر للمغرب كجسر حقيقي، وموثوق فيه نحو إفريقيا، وأن أي مدخل لهذه القارة لا يمكن أن يكون إلا من خلال المغرب نظرا لحضوره القوي بالقارة ولمكانته التي يتمتع بها داخل شعوب المنطقة وللاحترام الذي يحظى به بين الزعماء الأفارقة، حيث عبرت الخارجية الألمانية عن ذلك بقولها إن «المغرب حلقة وصل مهمة بين الشمال والجنوب، سياسيا وثقافيا واقتصاديا»، وهي بذلك تعيد تقييم موقفها السابق الذي بنته على تلك التقارير التي كانت متأثرة باقترابها من النظام الجزائري، الذي كان يؤثر في الموقف الألماني لزعزعة الحضور المغربي في شمال إفريقيا وإفريقيا ككل، هذا الموقف الجديد فيه تقبل ألماني للحضور المغربي بإفريقيا ووعي منها بأن أي رغبة ألمانية في التواجد بإفريقيا يجب أن تكون من خلال المرور عبر المغرب، نظرا لما يمثله هذا الأخير لدى إفريقيا كبلد ناطق باسمها وباسم مصالحها ومصالح شعوبها الحيوية، ولم تكتف بذلك بل أعلنت الخارجية الألمانية في موقفها الجديد عن انخراطها إلى جانب الاتحاد الأوروبي في تبني مواقف داعمة للمغرب باعتباره شريكا مركزيا وأساسيا في إفريقيا، حيث أعلنت بوضوح عن تبنيها لنفس موقف الاتحاد الأوروبي الداعم للمغرب، حيث أنه وحسب ذات التحديث الذي قامت به وزارة الخارجية الألمانية «بالنسبة لألمانيا والاتحاد الأوروبي فإن المغرب «شريك مركزي» في شمال إفريقيا. ففي العشر سنوات الأخيرة قام البلد «بإطلاق العديد من الإصلاحات»، ويلعب دورا مهما في «الاستقرار والتنمية المستدامة بالمنطقة»، وهو موقف يعيد ألمانيا إلى الاتحاد الأوروبي في ما يتعلق بتطابق نظرتها للعلاقة مع المغرب مع رؤية الاتحاد الأوروبي.
– ألمانيا الجديدة أعادت مراجعة موقفها من نزاع الصحراء، ومن مبادرة الحكم الذاتي، ومن العملية السياسية بحيث أصبح موقفها الحالي منسجما مع التوجه العام للأمم المتحدة الداعم للحل المغربي باعتباره حلا واقعيا لهذا النزاع، فهي أعلنت بوضوح عن أنها «تدعم الجهود المبذولة من طرف المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة، ستافان دي ميستورا، من أجل التوصل إلى حل سياسي عادل، دائم ومقبول على أساس القرار 2602»، وبإعلانها الصريح عن دعم العملية وفق مخرجات قرار 2602 الذي تبنى جل المعايير السياسية لمبادرة الحكم الذاتي، وهي خطوة جد مهمة لعودة ألمانيا لتبني قرارات الشرعية الدولية بالوضوح اللازم، وقد يكون لموقفها هذا وقع إيجابي على المسلسل السياسي.

ألمانيا لم تكتف بهذا الإعلان بل كانت واضحة في دعمها لمبادرة الحكم الذاتي، كمبادرة مغربية لطي هذا النزاع الإقليمي، حيث اعتبرت “مخطط الحكم الذاتي يشكل مساهمة مهمة للمغرب في تسوية النزاع حول إقليم الصحراء”، وهي بذلك تفتح صفحة جديدة مع المغرب بمواقف جديدة أكثر حرصا على بناء شراكة قوية مع المغرب يتداخل فيها الاقتصادي بالسياسي.
ألمانيا، وهي تعلن عن هذه المواقف المتقدمة، تكون قد قدمت إشارة إيجابية للمغرب، الذي لم يتأخر بدوره في الإعلان عن ترحيبه بهذه المواقف كإشارة إيجابية من طرفه إلى أنه لا يتبنى موقفا سياسيا جامدا من ألمانيا، بل هو أيضا يطمح لتجاوز، بسرعة، القطيعة الدبلوماسية، التي وجد نفسه مجبرا على الإعلان عنها بعد المساس بمصالحه من طرف حكومة ميركل، وهي قطيعة وضعت الحكومة الألمانية الحالية الخطوة الأساس لتجاوزها بحيث فتحت مواقفها هاته الباب أمام عودة الحوار بين البلدين، بين الدبلوماسيتين، وهو حوار سيكون مطروحا فيه ثلاث قضايا أساسية:
لا شراكة اقتصادية بدون أن تكون هذه الشراكة مُحترمة للوحدة الترابية للمملكة المغربية، وهي الوحدة التي أصبحت خطا أحمر لم يعد مقبولا المساس بها من طرف أي جهة كانت، وتوجيها ملكيا واضحا لعمل الدبلوماسية المغربية.
المغرب يأمل في أن تتبنى ألمانيا مواقف أكثر دعما لمبادرة الحكم الذاتي من تلك المُعبر عنها، فألمانيا كان لها دائما حضور قوي بالمغرب، حضور ثقافي، سياسي ومالي، وهو الحضور الذي جعلها بالتأكيد تفهم أن القضية الوطنية هي حيوية للمغاربة، لذلك أي دعم سياسي لوحدة المغرب سيكون له انعكاس إيجابي لصورة ألمانيا داخل المغرب، كما أنها هي نفسها عانت لسنوات من محنة تقسيمها وتعي جيدا المآسي التي خلقها ذلك الوضع داخل المجتمع الألماني، لذلك فهي من أكثر الدول والشعوب التي عليها أن تفهم رغبة المغاربة جنوبا وشمالا في الحفاظ على بلدهم موحدا.
ألمانيا لا يمكن أن تستمر في وضع المنصة الإلكترونية لاستهداف المؤسسات الوطنية ببلادنا خاصة من شخص متورط في أعمال إرهابية ومطلوب للعدالة، لأن ما يقوم به من داخل التراب الألماني وبتشجيع من جهات كانت مقربة من حكومة ميركل في إطار محاولة الضغط على المغرب، فما يقوم به لا علاقة له بحريتي الرأي والتعبير المقدستين، بل ما ينشره يعتبر استهدافا ممنهجا، خطيرا، فيه مساس بالحياة الشخصية للمسؤولين الأمنيين المغاربة، وبصورتهم في محاولات فاشلة لتبخيسها، خاصة وأن جل أسلوبه هو  تحريضي، وسب… لا يتعلق بحرية الرأي، وهنا يُطرح السؤال، كيف لألمانيا، التي حولت أرضها لمنصة لاستهداف المؤسسة الأمنية ببلادنا، التي تم تكريم كل رموزها عالميا نظرا للدور الذي قامت به في محاربة الإرهاب، أن يكون لها تعاون أمني مع المغرب في ظل هذا التهجمات التي لم تتوقف؟!

الأكيد أن المجال اليوم مفتوح للحوار بين البلدين، وهو حوار سيكون مطبوعا بالشفافية والصراحة، والمهم أن تعود العلاقة بين البلدين كما كانت منذ 62 سنة… متينة، قوية، وفي احترام تام للمصالح الكبرى للبلدين.

الكاتب : نوفل البعمري - بتاريخ : 27/12/2021