المنظمات الكاذبة لا تخيفنا
عبد السلام المساوي
1-المغرب قرر لنفسه مسارا خاصا واستثنائيا ومتفردا، ولن يضيع فرصة واحدة لإثبات هذا التفرد وسط عديد النماذج المتهالكة التي تحيط بنا والتي تحاول تقديم نفسها لنا باعتبارها ضرورية الاحتذاء…
المغرب، عبر تاريخه العريق، لم يقلد بلدا ولا أحدا، كان نسيج وحده، وسيظل هكذا، لذلك يستطيع دوما أن يبهر حتى العاجزين عن الانبهار، ولذلك يستطيع كل مرة أن يقدم لمن يريدون أن يلقنوه الدروس دروسا مضادة يتلقونها صفعات على الخد الأيمن ولا يستطيعون تقديم الخد الأيسر إلا حين الضرورة والاحتياج لذلك فعلا…
2-المغرب تخلص من عقدة الخوف من منظمات تدعي الدفاع عن حرية الصحافة والإعلام ومن منظمات تدعي أنها صنعت للدفاع عن حقوق الإنسان…
المغرب تخلص من عقدة الخوف من هاته المنظمات الكاذبة منذ سنوات عديدة، بعد أن اقتنع وآمن بأن إقناع ذوي النيات السيئة بنيتك الحسنة أمر مستحيل، وأن هاته الهيئات التي تدعي أنها حقوقية أو تهتم بحرية الإعلام هي عبارة عن «شركات» هدفها الربح المادي أو المعنوي…
يكفينا هنا في المغرب أن نواصل على المنوال ذاته من الإيمان بحقنا في العيش الكريم، وفي إصلاح أخطائنا، وما على المستقوين علينا بالأجنبي، إلا أن يواصلوا هذا الاستقواء، فقد أسمى أجدادنا من كان يضع يده في يد المعمرين قديما «الخونة»، ولن نشذ عن هاته القاعدة التي ورثناها عن الأجداد الذين حرروا البلاد، ولن نغير سنة الله التي لن نجد لها تبديلا…
3-المسألة غير هينة، وغير سهلة، ويلزمها قليل من الكلام الهادئ والرصين لأن الموضوع ساخن ولا يتحمل تناوله بالنزق الذي يسببه البوليميك والانخراط فيه.
ذلك أنه عندما تقرر وسيلة إعلامية ما، سواء من خلال مالكها الوحيد أو من خلال ملاكها المتعددين، أن تصبح ناطقة غير رسمية باسم بلد أجنبي، تقطع خطوة كبرى جدا في الانفصال عن المحيط الوطني الذي نشتغل فيه.
المسألة اختيار؟ نعم، والمسألة تندرج في تصور كل واحد للمهنة، ولارتباطات المهنة؟ نعم مرة أخرى. لكنها بالفعل خطوة غير هينة. وفي الغالب الأهم يؤدي المرتبطون هذا الارتباط الأجنبي في نهاية المطاف ثمن هذا الارتباط عندما تعود العلاقات بين البلدان إلى سابق عهدها ويجدون أنفسهم على رفين اثنين:
على رف المهنة، التي لم يعودوا مهتمين بممارستها إلا بقدر المصالح المادية والمكتسبات الزائلة التي تسمح لهم بتحقيقها؛
وعلى رف الوطن، الذي يشرع في النظر بريبة لمن يؤجر صوته أو قلمه، والكاميرا التي يصور بها لهذا البلد أو لذاك.
في الأوقات الحساسة من تاريخ الإنسانية أو وقت الحروب أو غيرها يسمى الأمر خيانة عظمى وله عقوبة أكبر من الكبرى، في الأوقات العادية يمكن تناول الأمر بقليل من برودة النفس (وفق ما يسمح به المقام الانتماء للوطن إلا برودة النفس)، ويمكن اعتباره ضريبة من ضرائب هذا التطور الإعلامي الذي نحياه.
سوى أننا ملزمون بقولها: ولاء الصحافي يجب أن يكون لوطنه أولا. ومهنة الصحافة ليست مهنة عادية، هي تقترب في كثير من تفاصيلها من المهن الحاسة التي يسمح لها بالخروج والتنقل في الحالات الإستثنائية لأنها تمارس دورا يقترب كثيرا من دور الجندية ودور الأمن ودور حماية الوطن في جبهة أخرى هي الجبهة الإعلامية.
البعض ينسى أو يتناسى، والبعض يبرر اللجوء لمد اليد للأجنبي تحت يافطة مراكز البحث أو تمويل المشاريع والدورات التكوينية، والبعض يعلنها مدوية بشكل واضح ووجه مكشوف ويقول «لقد بعت والسلام»، لكن الأمر يبقى على خطورته الأولى: لا مجال للولاء المزدوج، ولا ثقة في أصحابه، تماما مثلما لا ثقة في الذين يضعون على سبيل الاحتياط جنسيات بلدان أخرى، ويتحدثون لنا عن المغرب وباسم المغرب، فقط حين تكون الأشياء طيبة لهم، أما حين البأس فيقولون لنا أنهم ليسوا معنا ولم يكونوا معنا أبدا في يوم من الأيام..
4-اليوم صدق المغاربة والمغربيات. اليوم تحققت نبوءات من سكنهم المغرب قبل أن يسكنوه. اليوم الكل يقول شكرا جلالة الملك.
هو المغرب الذي يسري في العروق مسرى الدماء. وحين العروق وحين الدماء لا يمكنك أن تكذب أو تنافق أو تكتب تحت الطلب مثلما يدعي الكئيبون، حين الحب الحقيقي لا يمكنك التمثيل، ويشهد الله اليوم أننا جميعا نحس بها هاته الأيام: المغاربة لا يمثلون حين حب المغرب، هم يحبونه وانتهى الكلام…
إن بيت المملكة المغربية متين بقيادتها وشعبها، والأجدى بالمتطاولين، على شعبنا وقيادتنا، أن يكنسوا أمام بيوتهم، ويتأملوا في هشاشة بنيانهم، لأن ناطحات السحاب لا تجدي نفعا مادامت أعمدتها على رمال متحركة تذروها الرياح..
فخورون بهويتنا الوطنية وانتمائنا لشعب عظيم بقيادة ملك عظيم….
درس مغربي متواصل على امتداد الأزمنة والأمكنة يجدد نفسه دوما وأبدا ويمنح إمكانية الاستفادة منه لمن كان ذا عقل سليم.
5-حدثان رئيسيان عرفتهما دولتان عريقتان في الديموقراطية واحترام دولة المؤسسات دون أن يخلقا أي بوليميك سياسي فارغ ودون أن تتطاول ألسنة المعارضين المياومين التشكيك في مؤسسات القضاء والأمن:
الحادث الأول يتعلق بالحكم على جورج ترون، عمدة برافيل الفرنسية السابق بثلاث سنوات حبسا بسبب جريمة الاغتصاب والاعتداء الجنسي في حق مساعدته.
أما الحادث الثاني فيتعلق باعتقال بابلو هاسل، فنان الراب الإسباني بسبب إهانة المؤسسة الملكية والإشادة بالإرهاب عبر تغريدات على مواقع التواصل الاجتماعي، رغم أنه أقدم على الاعتصام منذ بداية الأسبوع الجاري لتجنب اعتقاله.
لنقلب الصورة ونفترض أن الحدثين وقعا بالمغرب وأن سياسيا وفنانا ارتكبا تصرفا مخالفا للقانون سواء الجنائي أو كان فيه إساءة لشخص الملك أو للمؤسسات، طبعا كنا سنعيش لحظة للتباكي الجماعي والتشكيك الممنهج من طرف تجار العدمية ورموز دكاكين حقوق الإنسان، وبلا شك كان سيتحول مرتكب الجرم إلى بطل قومي ورمز حقوقي من حقه الدستوري أن يغتصب من يشاء ويسب ويبيض الأموال فقط لأن صفته كناشط سياسي أو حقوقي تجعله فوق القانون وأعلى من المؤسسات.
والمؤكد أن حناجر كانت ستتهم المؤسسات الأمنية لفبركة الملف لتحجيم الحق في التعبير، والنيل من الحياة الخاصة للمجرم، وباختصار كنا سنكون أمام يوم من أيام القيامة السياسية.
هذا بالضبط هو الفرق بيننا وبينهم، في بلد الآخرين لا أحد فوق القانون والرموز السيادية للدولة محصنة من العبث، فلا يمكن اعتبار النيل من رئيس الدولة حرية في التعبير ولا يمكن جعل ضرب المؤسسات سلوكا ممنهجا واعتبار ذلك من مشمولات حقوق الإنسان. هناك دائما في الدول مهما بلغ نجمها في سماء الديموقراطية سقف لا يمكن خرقه وخطوط حمراء لا يمكن تجاوزها، لسبب بسيط أنها تشكل ضمانة العيش المشترك بين الجميع داخل الدولة وإلا سنصبح أمام غابة يأكل فيها المحصن بالحزب والحركة الحقوقية والمنبر الإعلامي المواطن الضعيف دون أن تتدخل قوة مشروعة لردعه مهما بلغ شأنه.
الكاتب : عبد السلام المساوي - بتاريخ : 21/04/2021