النموذج التنموي الجديد بين اللجن والمؤسسات والمنتظر الشعبي
مصطفى المتوكل الساحلي
إن اللجن أو الخلايا المناضلة من أجل استقلال المغرب ، والأخريات التي تشكلت منذ الاستقلال من طرف الأحزاب الوطنية والتقدمية التي عملت على تأسيس هيئات للمجتمع المدني جمعيات اجتماعية وحقوقية وثقافية و… لترقية والنهوض بمهامها بنجاعة وإيجابية، حيث عملت على توعية المواطنات والموطنات بحقوقهم وواجباتهم وتأطيرهم للنضال والدفاع عن مصالحهم ومستقبل وطنهم وبناء دولة الحق والقانون الديموقراطية والعدالة الشاملة والمجالية ..ولقد كان من ضمنهم كفاءات وأطر متعددة الاهتمام ومتنوعة في معارفها وتخصصاتها تمتلك رؤية واضحة وقدرات ترافعية متميزة ورصينة ، ولنا أمثلة في الاتحاد الوطني لطلبة المغرب والجمعيات الوطنية الرائدة التي أسسها كبار الوطنيين والمفكرين المغاربة منهم الشهيد المهدي بنبركة و…
لكننا اليوم نطرح تساؤلات جوهرية حارقة : ما الذي حصل في مجتمعنا ونسيجه المؤطر ؟ ولماذا يسجل تراجع في دور النخب المثقفة المؤهلة لقيادة الإصلاح وتثمين خطواته ؟ ولماذا أصبحت نسب كبيرة منهم على الهامش الفعل ؟ هل بسبب اختلال في موازين القوى وتعطيل متعمد لمهامها النبيلة ؟ ، أم بسبب تغير في مبادئ العمل السياسي وأولويات الحركة المطلبية والنضال من أجل التغيير والتنمية الديموقراطية ؟ ، ولماذا تسرب لبعض فضاءات مشهد المجتمع المدني الوسطاء و أصحاب الريع والمنافع والمصالح الشخصية الضيقة ، والباحثين عن الجاه والنفوذ الذي لايفيد الشعب ولايخدم الوطن بقدر ما يتسبب في اختلال أصبح يسيء للمؤسسات ، ويحدث خلطا وغموضا في دور السلطات مما يؤثر سلبا في حيادها الايجابي ، ويضعف دور المجتمع ودور الأحزاب و .. ؟؟
وفي علاقة بهذه المقدمة التركيبية نستحضر اللجنة المكلفة بإعداد نموذج تنموي جديد والتي نتمنى لها التوفيق في مهامها والتي قامت بزيارة ميدانية لمناطق مهمشة بالأطلس الكبير بإقليم تارودانت بسوس واسطة الوطن ..
حيث وجدوا غالبية المتدخلين والمتدخلات يترافعون باحتجاج و نقد موضوعي صادق بعيدا عن المجاملات والشكليات، حيث تجلت آثار جميلة لثقافة ومحاججة السياسيين الوطنيين والتقدميين الذين علموا أجيال الستينات حتى التسعينات آداب وفن تشخيص المشاكل والأزمات وبسط أرضية لأولويات الحلول الناجعة الضرورية للخروج من التهميش والهشاشة والخصاص والفقر ولبناء نموذج تنموي حقيقي مستدام ،، لقد استمعت اللجنة لانتقاداتهم البناءة المدعمة بأمثلة من الواقع بتحليل ملموس من واقع ملموس مجسد للأوضاع لاترضي صغيرا ولا كبيرا من الذكور والإناث ،، كما أنها اطلعت وتعرفت بالمعاينة الميدانية وبتدخلات النساء والرجال العفوية على الواقع وعلى مدى شبه الحضور للحكومة وضعف وهشاشة برامجها التنموية بالمناطق التي تمت زيارتها تؤكد تحقق تراكم سلبي للخصاص والتهميش الذي طالهم لعقود ،، ولقد انتقدت بعض التدخلات غلبة غياب الأحزاب والمؤسسات المنتخبة والإدارات على الوجود الذي كان منتظرا منهم دستوريا وأخلاقيا ،،
إن ما يحكيه ويطرحه سكان العالم القروي وغيرهم تكرر عرضه مرارا وتكرارا منذ الستينات إلى أن تعقدت الأمور ، وازدادت الأوضاع تأزما رغم المجهود المحدود المبذول والذي أصبح متجاوزا وغير مفيد مقارنة مع حجم المشاكل والإكراهات والانتظارات …..
من هنا نخلص إلى القول : هل كانت المؤسسات الرسمية والحزبية واللجن منذ عقود بعيدة عن مشاكل الناس ولو حضرت شكليا ؟ وهل كانت صادقة في تقديمها للوعود والالتزامات التي لم تتحقق ؟ وهل النماذج التنموية السابقة كانت دون المستوى أو فاشلة ولم نعلم ويعلم خبراؤنا ومؤسساتنا بذلك إلا بعد أن ارتفعت الأصوات ووصل التذمر والغضب درجات لايمكن تغافلها أو تقزيمها أو إرضاؤها بإصلاحات جزئية وانتقائية غير مجدية لن تضع قواعد تحقق وترسي النموذج التنموي المنشود والملائم ،،
وهل سنجعل الزمن اليوم ذهبيا لانطلاق نهضة وتنمية حقيقية عادلة يسير فيها المغرب بمناطقه الحضرية الكبرى والمتوسطة والصغرى والعوالم القروية بسرعة واحدة ، وعلى طريق سريع واحد مشترك ؟ ، وهل يرتكز أي نموذج التنموي جديد على اعتماد ولوجيات مرنة لتوظيف الثروة والمال العامين ، والثروات المختلفة بالوطن والتي استفادت من الاستغلال والاستثمار في ثروات الوطن لعقود خلت و… من أجل بناء وتنزيل سليم للتنمية بكل تمظهراتها وآلياتها المعاصرة المعتمدة في الدول الرائدة حتى نخرج بسرعة من عالم ينعت بالمتخلف أو في طريق النمو الذي أصبح لانهائيا ومتعبا ومرهقا لاتظهر علامات الوصول إلية ، …؟؟
وهل أصبحت آليات إرادتنا مصابة بوهن وعدم القدرة الوقوف والسير ،، ؟؟
إن الشعب يريد تنمية بمخطط آني متكامل مندمج استعجالي ، ومرحلي، ومتوسط المدى ، وبعيد المدى يجعلنا دولة متقدمة رائدة عالميا ، بشعب متحرر متعلم منتج يتوفر على حاجاته المعيشية والخدماتية والمحفزة للإنتاج والعطاء والإبداع ، بما يجعل الشعب يعيش نهضة تتجلى فيها شكلا وجوهرا ظاهرا وباطنا مؤسساتيا فرديا وجماعيا وبنيات ومجالات وقطاعات ونمط تفكير وسلوك ..تجليات التقدم والرخاء والتطور المطرد ومع ذلك مايجعل الأجيال المقبلة تعيش أفضل ممن سبقها …
إن اللجن أكانت وظيفية أو موضوعاتية بطبعها مؤقتة ولو مدد عمر البعض منها ، إنها من آليات الاستشارة ، والبحث والإعداد والعمل ، وليست للتقرير ، إنها مطالبة بإحالة حصيلة عملها للجهة التي كلفتها ، ثم بعد ذلك للمؤسسة المخول لها قانونا التصديق أو التنفيذ أو هما معا ،، إن هذه اللجن لن تكون إطلاقا بديلا للأحزاب والمؤسسات ، ولا للبرلمان والحكومة ؟؟
إن من الإشكاليات المطروحة في علاقة بالتنمية من الديموقراطية والعدالة والبناء الدستوري والمؤسساتي هي أنه لابد للأحزاب أن تكون أحزابا حقيقية ومستقلة وعاملة ومنتجة ومرتبطة بالشعب بصدق ، تمتلك فلسفة ومنهجية عمل حداثية وتقدمية وديموقراطية داخلية خاصة بها ، كما يجب أن تمتلك تصورات وبرامج ومخططات تنموية نموذجية في جميع القطاعات وطنيا وترابيا في علاقتها بالتواجد في المسؤوليات التمثيلية بالحكم والمعارضة .. ولابد أن يكون المنتخبون والمنتخبات مالكين للمعرفة والخبرة والقدرة على الترافع الإيجابي ، والإنتاج التشريعي والقوة الاقتراحية العملية ، وأن يكونوا في مستوى تحمل المسؤولية والتمثيلية محليا واقليميا وجهويا ووطنيا ..
إن تقوية الأمل عند الشعب والنخب يجب أن يكون بالإشارات الإيجابية والبرامج العملية وآثارهما الايجابية عند الناس بعد التوافق معهم على تحديد الأولويات والإستراتيجيات وإشراكهم في التنفيذ والمراقبة والتثمين وتحصين المكتسبات ،،
إنه لم يعد مسموحا ولا مقبولا أن نضيع ونهدر المزيد من الوقت والذي هو الزمن التنموي نفسه ،، إن محدودية النتائج وهزالتها أو فشل اللجن والمؤسسات في مهامها تسبب و سيتسبب في أزمة ثقة ستكون آثارها وانعكاساتها ثقيلة على الدولة والشعب والمؤسسات ،، وقد يتطلب الأمر بموازاة مع كل ذلك جرأة قوية في إعلان إصلاحات جوهرية دستوريا وتشريعيا وتنظيميا ، وتشمل الفلسفة والسياسة المالية والاقتصادية والاجتماعية والمعرفية ..في ارتباط بموضوع الثرو ة المحلية والإقليمية والجهوية والوطنية …
إن حزب الاتحاد الاشتراكي الذي نعتز بوجوده وتاريخه الوطني والنضالي وتضحياته الكبيرة والجسيمة من أجل الشعب وبناء الوطن ، ويعتز بالانتماء إليه المنخرطون فيه والعاملون في إطاره والمتعاطفون معه ،، يوجد به مناضلون ومناضلات في مختلف مناطق المغرب الحضرية والقروية والمناطق العميقة جغرافيا والمهمشة تنمويا والتي تعاني من الفقر والهشاشة والعزلة … كانوا ومازال العديد منهم يترافعون في عين المكان وبالاجتماعات مع الساكنة وبالإعلام والمؤسسات “المنتخبة “و المعينة ، ويخوضون معارك يومية من أجل التنمية بحدودها الدنيا بمناطقهم ، ويتعرض العديد منهم للمضايقات والاستفزازات وتحاك ضدهم المؤامرات لإسكاتهم وتحييدهم بعيدا عن أية مؤازرة ومساندة لنضالاتهم التي هي امتداد لنضالات ساهمت في تأسيس الحزب ،، كما أنهم تاريخيا يضعون تشخيصا للأوضاع و مطالب وبرامج وتوصيات تسعى لتحقيق التنمية والعدالة الاقتصادية والاجتماعية بتقارير يصادقون عليها بمؤتمراتهم الإقليمية والجهوية ،،وتوثق مضامينها بالبيانات المختلفة الصادرة من الأجهزة الحزبية ، وتكون موضوع ترافع ومداخلات المنتخبين والمنتخبات في الجماعات الترابية محليا وإقليميا وجهويا ووطنيا ، وبالغرف المختلفة ،،، كما يحملون معهم كل ذلك للمؤتمرات الوطنية الحزبية ،، لكن مع كامل الأسف مستوى الاستماع العملي لايرقى للمستوى المتوقع من القواعد ، إذ تصبح التدخلات والتقارير والتوصيات من الأرشيف الحزبي ليتم تكرار عرضها في مؤتمرات لاحقة في شبه غياب لقرارات سياسية ونضالية من أجل مؤازرة ونصرة قضايا ومطالب الشرفاء والشريفات بالقواعد الشعبية ، ولتثمين التضحيات لانتزاع مكتسبات دنيا في انتظار تنمية حقيقية ومستدامة تستجيب لانتظارات وحاجات الساكنة بإقرار عدالة مجالية اقتصاديا واجتماعيا .. تكون ظاهرة وملموسة من طرف كل أبناء الشعب ..
إن التشاؤم والتخوف أصبح هو السائد عند الناس ، لهذا لابد من تحقيق طفرة وخطوة جبارة تعيد الأمل للنفوس وتشحذ الهمم وتعبئ الجميع للعمل الذي لايتوقف وتحرر الطاقات والقدرات والمبادرات ..
الكاتب : مصطفى المتوكل الساحلي - بتاريخ : 01/02/2020