الوجه الخفي لتركيا وتناقضاتها

  محمد بوبكري

 

لا يعلم أغلب المغاربة أي شيء عن الوجه الخفي لتركيا التي تدعي دفاعها عن الإسلام والمسلمين، وعن القضية الفلسطينية، لكنها ما تسعى إليه من وراء ادعاءاتها هاته، هو توظيف المسلمين من أجل تحقيق الهيمنة على بلدان الشرق الأوسط، سعيا لتحقيق توسعها فيها واستغلالها سياسيا واقتصاديا..
ولتحقيق مشروعها التوسعي هذا، فقد لجأت إلى دعم جماعات الإسلام السياسي سياسيا وماليا بغية تمكينها من الاستيلاء على السلطة في دول هذه المنطقة، ما يؤهلها لحكمها عبر السلطة التي ستقيمها هذه الجماعات فيها…
ولدحض ادعاءات تركيا الكاذبة وتقويضها، فقد اقتنعتُ بضرورة الكشف عن وجهها الخفي حتى تنكشف حقيقتها وتضليلها..
لهذا، سأخصص هذه الورقة القصيرة لعرض حقائق دامغة حول السلطة التركية، لعل جماعات الإسلام السياسي في المغرب تتراجع عن غيها وتكف عن الإساءة إلى شرعية الوحدة الترابية المغربية، متبعة في ذلك نهج المخابرات التركية رغبة منها في الحصول على دعمها المادي والسياسي، دون أن تعلم هذه الجماعات أن تركيا ستفقد قريبا قوتها ونفوذها الدوليين، ما جعل سلطاتها تنخرط في مؤامرة ضد الوحدة الترابية المغربية بهدف إضعاف بلادنا عبر تمويل كل ما من شأنه أن – ومن يعمل على – تفتيت وحدته الترابية، وإضعاف لحمته الوطنية. ويعود ذلك إلى أنها تعتقد أنه من المحتمل جدا أن يصير المغرب عائقا كبيرا في وجه ما تنوي إنجازه في المنطقة…
وما لا يعلمه أغلب المغاربة، هو أن تركيا هي البلد الإسلامي الوحيد العضو في الحلف الأطلسي، وتوجد فيها 26 قاعدة عسكرية لهذا الحلف، كما أنها أول بلد إسلامي اعترف بدولة إسرائيل، وتقدر مبادلاتهما التجارية بملايير كثيرة من الدولارات. ويزور تركيا سنويا ستمئة ألف (600.000) سائح إسرائيلي، ويوجد بتركيا ثاني أكبر مصنع عسكري إسرائيلي دوليا… ويعد الإسمنت من صادرات تركيا إلى إسرائيل… ويعلم كل المتتبعين والباحثين في شؤون الشرق الأوسط أن تركيا تلعب دور الوسيط التجاري بين إسرائيل ودول أخرى كثيرة.
ويقول مصدر فلسطيني موثوق به إن اسم تركيا لا يوجد في قائمة الدول الداعمة للسلطة الفلسطينية، لأنها لا تساهم معها ولو بسنتيم واحد، بل إنها تدعم ماليا خصوم هذه السلطة من جماعات الإسلام السياسي حتى تتمكن من إزاحتها. ويعني ذلك أن تركيا تناهض السلطة الفلسطينية الشرعية، وتعادي الشعب الفلسطيني وتناهض حقوقه…
أما على مستوى حرية التعبير، فتعد تركيا ثاني دولة في العالم سجنا للصحفيين. زد على ذلك أن رئيس تركيا المسلم الطيب رجب أردوغان هو الوحيد الذي تم توشيحه بـ»ميدالية الصهيونية»، وهو الوحيد الذي قام بزيارة قبر «تيودور هرتزل» مؤسس حركة الصهيونية، كما أنه زار إسرائيل خمس مرات.
فوق ذلك، تسمح تركيا بزواج المثليين، وتوجد فيها شواطئ للعراة كما ولدتهم أمهاتهم. وهي الدولة الوحيدة التي لا تسمح بتعدد الزوجات، كما أنها هي البلد الوحيد الذي قنن الدعارة، حيث توجد فيها عشرون ألف (20000) بيت مرخص له بممارسة القوادة والدعارة. وتوجد فيها كذلك ثلاثمئة ألف (300.000) مومس. كما تدِرّ الدعارة على هذا البلد أربعة مليارات دولار سنويا. أضف إلى ذلك أنه توجد في تركيا مصانع كبرى لصنع الخمور يبلغ عددها مئتين وخمسة وستين (265) مصنعا كبيرا.
ألا تتعارض مواقف وممارسات تركيا مع ما تدعيه، وتحاول التظاهربه؟ ألا تجد جماعات الإخوان المسلمين بمختلف تلويناتها في بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تناقضا مع ما تدعيه هذه الجماعات المتطرفة وما تمارسه؟ وما الذي جعل هذه الجماعات تنحني إجلالا لتركيا أردوغان؟
تؤكد المعطيات أعلاه أن تركيا، كانت وراء صعود هذه الجماعات إلى السلطة في بعض بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، حيث استغلت تركيا عضويتها في الحلف الأطلسي، وما كانت تحظى به من ثقة من قِبل الدول الغربية العظمى للدفاع عن صعود هذه الجماعات إلى السلطة. وهذا ما جعل هذه الجماعات تخضع كليا لتركيا دون أن توجه أي نقد للتناقض الصارخ بين سلوك السلطة التركية وممارساتها. لذلك، فإن الرغبة الجامحة في السلطة هي التي أجبرت زعامات جماعات الإسلام السياسي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا على أن تتحول إلى مجرد عبيد في كنف تركيا… وهذا ما يفسر اصطفاف جماعات الإسلام السياسي وراء تركيا وجنرالات الجزائر في موقفهما العادي لشرعية سيادة المغرب على صحرائه.
بناء على ذلك، يجب أن تراجع زعامات هذه الجماعات ذاتها، وتغير مواقفها، وتلتحم مع المغرب والشعب المغربي في تمسكهما بالوحدة الترابية لوطننا العزيز الذي نحبه حتى الموت. ولتعلم جماعات زعامات هذه الجماعات، أن سندها تركيا في طريقها إلى الاندحار، لأنها فقدت دعامتها الغربية، حيث اكتشفت القُوى العظمى كذب السلطات التركية ومراوغاتها وغدرها ، إذ فطنت هذه القوى إلى أن تركيا تتعامل مع روسيا سرا، ما اعتبرته الولايات المتحدة غدرا لها، فوضعتها على قائمة أعدائها. وأتوجه لزعامات هذه الجماعات قائلا لها: إن شعب المغرب باق والوطن كذلك. وإذا لم تغيروا ذواتكم وتُراجعوا مواقفكم وممارساتكم وتقوموا بنقد ذاتي، فإنكم ستحكمون على أنفسكم بالزوال. أدعو هذه الجماعات إلى ذلك، إلى الإسراع بذلك قبل فوات الأوان، لأن «الوطن غفور رحيم»، كما قال الملك الراحل المرحوم الحسن الثاني.

الكاتب :   محمد بوبكري - بتاريخ : 26/12/2020