اليد الممدودة

مصطفى خولال

لم يكف المغرب عن مد يده إلى مسؤولي الجمهورية الجزائرية. حدث ذلك في كل المناسبات التي أتيحت للملك، ولمسؤولين مغاربة يضطلعون بمهام ذات شأن عال في الدولة أو في الأحزاب أوفي النقابات العمالية أو في التنظيمات المدنية. ولو سمح للأربعين مليون مغربي أن يروحوا إلى الحدود المغربية الجزائرية لمدوا نفس اليد. والحق أن نداء جلالة الملك محمد السادس الأخير بمناسبة الاحتفال بعيد العرش السنوي، لم يكن سوى تتويجا لتراكم طويل من حركة اليد المغربية الممدودة. وإذا استثنينا ترهات بعض الصحفيين، وهرطقيات أشباه الإعلاميين وسخافات معظم اليوتوبيين الجدد فلن تجد خارج هؤلاء من لا يموت من كل المغاربة رغبة في إنهاء هذه الدراما المغربية الجزائرية التي لا تزال فصولها التراجيدية جارية منذ إغلاق الحدود.
لا فائدة مطلقا، نعم، ليست هناك فائدة من أي صنف كانت هذه الفائدة في وضع لائحة للأخطاء التي ارتكبها المغرب ولا تلك التي ارتكبتها الجزائر مع بعضهما البعض. لو وقفت فرنسا وألمانيا عند استذكار الأخطاء المرتكبة لما كان هناك هذا الحلف السياسي والاقتصادي الذي يقوي اللحمة بينهما، بل ولما كانت هذه القوة والمناعة لما أسماه أهله الاتحاد الأوروبي، بل لما وجد أصلا. لقد نظر هؤلاء الأوروبيون إلى الحاضر. لم يتناسوا الماضي، بل نسوه كلية. ولو وقفت دول مجلس التعاون الخليجي عند الماضي القبلي لبلدانها لما حققت هذا النجاح الباهر في الصيغة المثلى التي أبدعتها هذه الكتلة الخليجية من أجل تعاونها، وهي كتلة – ينبغي الاعتراف – لا تفيد الخليجيين وحدهم، بل نستفيد منها نحن في المغرب استفادات معتبرة.
ليس في النظر إلى الماضي سوى السقوط في الاكتئاب السياسي، والفكري.
النظر إلى الحاضر مع عيون على المستقبل المنظور، وغير المنظور، هو سلاح فكري أولي يشحذ الهمم ويقوي التفاؤل ويخلق ثم يعزز ((الثقة)) التي إن فقدت لا أمل مطلقا في نجاح أي مبادرة.
جو الثقة وتعزيزها هو ما عملت وتعمل خطب العاهل المغربي محمد السادس على خلقه، إدراكا من جلالته – وهو أغلب الظن لدينا – أنها شرط ضروري للانخراط في ما يحث عليه مسؤولي الجمهورية والذي صيغ في خطاب العرش المشار إليه. ولا حاجة لنا ولا لقرائنا في هذه المقالة لتحليل ذلك الخطاب. ذلك عمل قام ويقوم به المحللون الجادون من البلدين. وهي تحاليل – نقصد الجاد والرصين منها – ولا نقصد تحاليل الخطاب السياسي المنحط المتأثر دوما بأسلوب الغناء السفيه – أكدت حسنات الدعوات الملكية المتكررة. وتكرارها هذا يعني من بين ما يعني أن الأمل قائم في أن تفتح الحدود ، وأن الأمل في أن تنجح قيادات الجمهورية الجزائرية في هدم عقيدتها – من أجل مصلحتها هي أولا – ثم من أجل مصلحة جيرانها في بلدان المغرب الكبير ثانيا.
لقد نجحت الملكية في المغرب في الانتصار على نفسها حين قبلت بالنهج الديمقراطي، والذي لم يبلغ بعد المستوى المثالي، إلى درجة أنها قبلت التعامل حتى مع من يحتجزون العقيدة الدينية لتصريفها في مجال الاحتراب السياسي ..وذلك خضوعا لهذا النهج الذي لا يعترف إلا بلغة صناديق الاقتراع الانتخابي. الأمل كبير في أن تنتصر قيادات الجمهورية الجزائرية على السلبي والمعيق من عقيدتها. ونحن هنا لا نقصد لا العقيدة الثورية، ولا العقيدة التحريرية. تلك ثوابت نؤمن بها بل ونثمنها عاليا ونحييها بكثير من الاحترام والتوقير. ما نقصده هو عقيدتها القائلة ب ‹›نظرية›› ((العدو الخارجي))، وحين تسأل هذه القيادات من هو العدو الخارجي؟ لا تتلكأ أبدا في القول إن هذا العدو لا يمكن أن يكون غير ‘’العدو المغربي’’ !؟؟
إننا نسلم بالبداهة التاريخية القائلة بأن كل دولة مطالبة بأن تتصرف على أساس أن هناك عدوا لها يهدد وجودها. هذا صحيح. غير أن هذه البداهة قائمة أيضا على ألا يتم ذلك بناء على افتراض تسنده الأوهام. وهو في حالة العقيدة الجزائرية افتراض لا يوجد له أساس غير قابل للدحض.
إننا نرى أن الجزائر مطالبة اليوم قبل الغد بأن تشتغل على ذاتها كي تعيد النظر في ((نظرية العدو الخارجي)) فتعدل لزاما عقيدتها، وذلك ليس لمصلحة المغرب، بل لمصلحة شعبها وتنميته وتقدمه وتحرره من عبء عقيدة معيقة للذات الجزائرية في العمل من أجل حل معضلة سوء الجوار وحل المسألة الاجتماعية بالجزائر(صحة، تعليم، خدمات)، وحل المعضلات الأمنية، وحل معضلة طبيعة الحكم السياسي في جمهوريتها. ومن أجل ذلك لا مناص لها من أن تبني جمهوريتها الجديدة، الجمهورية الثانية، القائمة على عقيدة النظرية الثورية والنظرية التحريرية والنظرية الاجتماعية والنظرية الأخوية. إنه لا مهرب للجزائر من تبني مبدأ الإخاء المغربي الجزائري الذي بحت حنجرة العاهل المغربي من كثرة ما صدحت به.
ندرك في المغرب أن أعداء لنا ليسوا هم من تلتصق حدودهم بحدودنا، ولا هم من الذين يشكلون معنا فضاءنا المغاربي، وليس أدل على ذلك من الحملة الأخيرة التي شنت على المغرب. فنحن لم يفتنا أن من قادها هم صحفيون نشروا مقالاتهم في الصحافتين الفرنسية والإسبانية. لسنا من السذاجة فنعتقد أن تلك المقالات الصحفية لا تنطلق من خلفيات رؤى رسمية وتصورات مخابراتية تستهدف المصالح الجيو- اقتصادية للمغرب . وحتى إذا كانت بعض الرؤى الجزائرية قد التحقت بالركب المضلل والذي لا ننكر أنه أضر ويضر بالمغرب على المستوى الدولي، غير أننا نملك من الوعي ما يكفي لندرك أنه لا دخل للجزائر في هذا الأمر كما في غيره . وبالمثل، تماما على النحو الذي أكده خطاب العرش السالفة الإشارة إليه، فإنه لن يأتي أبدا أي نوع من الضرر لجمهورية الجزائر من حدودها الغربية.
يقول الشاعر لامارتين إنه لا يمكن لمن تعلو به المراتب أن يحمل الحقد إلى الأبد. والحق أنه لا يمكن في العلاقات الدولية لإرادة واحدة أن تفعل شيئا إذا لم تتوافق الإرادات جميعها.

الكاتب : مصطفى خولال - بتاريخ : 10/08/2021