بأصوات متعددة .. أيها المغاربة لا تنتظروا ماكرون كثيرا..

لحسن العسبي

لست من المتفائلين بأيام مخصبة مع الرئيس الفرنسي الجديد إمانويل ماكرون مغربيا. لأن العلامات التي برزت حتى الآن (ومجال السياسة مجال رمزيات بامتياز)، تدفعنا إلى تغليب تحليل غير متفائل بخصوص مستقبل علاقات بلادنا مجددا مع باريس. وأن معركة جديدة، كبيرة، تنتظر الدولة المغربية من أجل تذكير قائد فرنسا الجديد وفريقه بمن يكون المغاربة والمغرب.
إن التحدي الأكبر اليوم، هو إلحاحية تغيير نظاراتنا إلى فرنسا الجديدة. ذلك أن ما أفرزته الانتخابات الرئاسية الجديدة، بكل ما صاحبها من صخب خلال الشهور الأربعة الأخيرة، هو أن فرنسا القرن 20 انتهت، وولدت لأول مرة واضحة فرنسا القرن 21، جيليا وقيميا. بل إنه عمليا، قد انتهت روح الجمهورية الخامسة، وأصبحنا اليوم، أمام واقع فرنسي غير مسبوق، فيه تقاطب بين طموح الرأسمال المتلون سياسيا، وبين واقع ترسخ اليمين المتطرف أكثر مجتمعيا. بالتالي، فإن الخريطة الفرنسية اليوم، التي أنهت مع التقاطب التقليدي بين اليسار واليمين منذ زمن جون جوريس، سنة 1914، قد أفرزت واقعا جيليا وفكريا وسلوكيا جديدا، بلورته تحديات الوجود التي أصبحت تواجه «المعنى الفرنسي»، أمام الأمواج العاتية للقوى المصلحية الجديدة بالعالم، والتي جزء كبير منها، أصبح يصنع خارج القارة العجوز، أروبا. بل، أكثر من ذلك، فإنه حتى داخل المنظومة الأروبية، فإن باريس ضئيلة البطاريات تأثيرا أمام ألمانيا الموحدة الجديدة وأمام لندن ما بعد البريكسيت.
الأمر، فيه بعض عناوين اليتم، التي تجعل بروز صورتي ماكرون وماري لوبين (وصورة فالس، الأشبه بالمرابي)، دليلا على أن تمة مرحليا الآن صرخة احتجاج هوياتية ووجودية ل «المعنى الفرنسي»، وأنه طبيعيا أن تكون هذه المرحلة مرحلة تجريب وأخطاء هنا وهناك، في هذا الملف أو ذاك. واضح أن فرنسا جديدة، يعاد تشكيلها، قد تفضي إلى كل الاحتمالات، لعل أشدها الانزلاق نحو اليمين المتطرف. وهنا، علينا أن لا ننسى درس التاريخ، في ما يخص الحالة الفرنسية، خلال القرون الثلاثة الماضية.
لقد تأسست فرنسا، منذ التحول البورجوازي بأروبا، الذي ولد ألمانيا وتطور سياسيا بباريس واقتصاديا صناعيا بإنجلترا، على متوالية للصراع من أجل النفوذ في محيطها الأرو متوسطي. وأن عصب المال والجيش قد ظلا يشكلان عصب الدولة هناك، منذ زمن نابليون بونابارت. ليظل مثيرا، من الناحية التاريخية، كيف أن باريس، كلما اشتد عليها الخناق داخليا وفي محيطها الإقليمي، كلما بادرت إلى تصدير أزمتها صوب الخارج، الذي لم يكن سوى الفضاء المتوسطي، منذ مشروع احتلال مصر وفلسطين سنوات 1798/ 1801، مرورا باحتلال الجزائر سنة 1830، ثم حروبها الأكبر الشهيرة مع ألمانيا ومع إسبانيا ومع روسيا القيصرية ومع الإمارات الإيطالية.
يخشى أن الجيل الجديد، جيل ماكرون ولوبين، هو فقط عنوان لذات المدرسة الفرنسية خلال القرن 21. وأن الإستراتيجية الجديدة هناك، المتأسسة على أدوات اشتغال جديدة، محصورة في الرهان على قوة المال ودور المجتمع المدني، تسعى إلى إعادة موضعة «المعنى الفرنسي» الجديد، ضمن أفقه المتوسطي والإفريقي. هنا مرة أخرى، بالنسبة لهذه الرؤية الإستراتيجية، فإن الرهان على الجزائر وكامل المغرب العربي ومنطقة الساحل، هو رهان حيوي. ومن يعتقد أن حرص ماكرون على زيارة الجزائر (وعدم زيارة المغرب) خلال حملته الإنتخابية، وإطلاقه تلك الجملة الأشبه بالسهم النافذ، حول ضرورة اعتبار ما وقع من قمع خلال الإستعمار الفرنسي للجزائر جريمة حرب ضد الإنسانية (وهي كذلك فعليا)، مجرد هفوة زعيم شاب غر غير مدرك لمخاطر ما يعلنه. إن من يعتقد ذلك واهم، بل، إنها مقصودة تماما، لأنها تريد أن تكسر جدارا، قيميا ونفسيا، في الضفتين، بين باريس والجزائر العاصمة، ينتمي لزمن مضى وانتهى هو زمن القرن 19 والقرن 20. مثلما أن رسالة ترشيح سيدة فرنسية من أصول جزائرية ضمن الدائرة 9 من دوائر الانتخابات التشريعية القادمة الخاصة بالفرنسيين المقيمين بالخارج، وضمنها فضاؤنا المغاربي، باسم حزب ماكرون، هي المعروفة بدعمها الميداني والمؤسساتي القوي للبوليزاريو وبتنسيق ودعم من الحكومة الجزائرية، تعتبر في المجال السياسي ذات رمزية واضحة، حول المخفي من الرؤية الفرنسية الجديدة لمجالنا المغاربي.
هل ستكون هذه الرؤية الفرنسية الجديدة، على حساب مصالحنا الحيوية مغربيا؟. سيكون من الوهم الإعتقاد أن المغرب حائط قصير. لأن الذي تغير في المعادلة هذه المرة، هو المغرب، الذي عزز من مؤسساته ديمقراطيا ودستوريا وتنمويا وأمنيا. مثلما رسخ من تواجده في عمقه الإفريقي (خاصة بغرب إفريقيا)، وأسس لعلاقات دولية جديدة مع الصين وواشنطن وموسكو ومدريد. الأكيد، منذ شهور، وسيكبر الأمر أكثر في القادم من الأسابيع، هو أننا سنكون موضع مواجهة على مستويات رمزية وتواصلية وسياسية عدة مع فرنسا الجديدة (بعضها انطلق إعلاميا منذ مدة عبر قناة فرانس 24، في مواضيع محددة، هي حراك الريف والأمازيغية ووضعية مسيحيي المغرب وملف الصحراء الغربية للمغرب). بالتالي، على من يعتقد أن علاقتنا مع الرئيس الجديد بقصر الإليزي وفريقه ستكون سلسة، أن يستفيق من وهمه. المعركة والتدافع قادم، وعلينا أن نواجهه بهدوء وبصرامة منطق مصالح الدولة الحيوية.

الكاتب : لحسن العسبي - بتاريخ : 15/05/2017