بالصدى:«حفظ» الصحة!
وحيد مبارك
بدأت درجات الحرارة في الارتفاع، ولم تعد مستوياتها بالعادية، بل قفزت أرقامها إلى معدلات متقدّمة، ومعها غادرت الحشرات «أوكارها» والجرذان جحورها، وطفقت تغزو أعدادها وأسرابها المنازل، مقتحمة أسوارها، طيرانا أو زحفا، لتقض مضجع النائمين، وتفسد راحة المستيقظين، بل وتهدد صحة عموم المواطنين، كما هو الحال بالنسبة لأسراب البعوض، التي تفعل فعلها في الآونة الأخيرة بالدارالبيضاء، وعلى مستوى حي لاجيروند بدرب السلطان نموذجا، خاصة حيث توجد المباني المهجورة والبقع الفارغة، التي تحتضن البرك الآسنة، التي تعتبر «مشتلا» لهذا النوع من الحشرات القادرة على نقل العديد من الأمراض و»حقنها» في أجساد الصغار والكبار على حد سواء، أثناء عملية مصّ دمائهم، التي لاتترك ندوبا فحسب، بل قد تخلّف علّة كاللشمانيا وغيرها، في غياب تدخّلات وقائية من المصالح المعنية لتجنيب المواطنين تبعات لسعات سامّة؟
لسعات لاتقف عند حدود البعوض، بل تشمل العقارب، التي مافتئت تخلّف العديد من الضحايا بالمناطق الحارة، كما وقع في وزان قبل أيام، وقبلها في العديد من المواقع الجغرافية، في غياب أمصال تسمح بإنقاذ الضحايا في المراكز الصحية، الأمر الذي كان ولايزال يتطلّب تنقل المصابين وأسرهم، حين يتعلّق الأمر بأطفال، إلى مدن متعددة وطرق أبواب المستشفيات بحثا عن الترياق، الذي قد يفيد ولايفيد إذا ما طالت المدّة، ونفس الأمر يشمل لدغات الأفاعي، وعضّات الكلاب المصابة بالسعار، وينضاف إلى كل هذا وذاك مشكل التسممات حين تناول المواد الغذائية، سواء المنتهية الصلاحية، والتي بكل أسف يعرض عدد منها ببعض الأسواق التجارية الكبيرة، أو تلك التي يتم إعدادها بالمحلات المنتشرة كالفطر لـ «الوجبات الخفيفة»، في افتقاد للمعايير الصحية، وقد لايكون التسمم مقتصرا على أكلة ما فحسب، بل قد تتسبب فيه المياه، والذي يكون أشدّ خطورة، مياه ليست مستخرجة من بئر، أو قادمة عبر أنابيب الصنابير، بل قد تكون معدنية، وقد كان صحافي بإحدى الإذاعات الخاصة عرضة لهذا النوع من التسممات حين اقتنى قنينة ماء لم تكن مخزّنة في احترام الشروط الصحية، وهو ما جرّ عليه الويلات!
أعطاب تتطلب علاجا فعليا، بالاعتماد على خطوات عملية، ومبادرات استباقية، لاترتبط بالمؤسسات الصحية التابعة لوزارة الصحة لوحدها، بل تشمل كذلك مصالح حفظ الصحة التابعة للجماعات الترابية، والتي يكتفي الكثير منها بتسليم حقن الأنسولين وأدوية داء السكري، إذا ما تواجدت ولم تعرف انقطاعا للمرضى المسجّلين لديها، وتسليم شواهد الوفاة بعد المعاينة المجرّدة، علما بأن هذه المهمة هي الأخرى محط انتقاد من الأطباء الشرعيين المتخصصين، وما دون ذلك يبقى مرتبطا بـ «المزاج»، وبنوع معيّن من التوجيهات، وتوفر الأدوية والمبيدات، دون الحديث عن طبيعة تركيبتها ومدة صلاحيتها، التي تجعل منها مجرد ماء ممزوج بمواد كيماوية غير ذات فعالية في كثير من المناطق، خاصة بالنسبة للمدن الكبرى التي تعاني من المسارات غير الصحية لصفقاتها، وتأخر تسليمها، وغيرها من التفاصيل التي ترفع منسوب استئساد الحشرات، والكلاب الضالة التي تتجول حرّة طليقة معفية من كل مطاردة، في مواجهة المواطنين؟
إن مكاتب حفظ الصحة هي وحدات للقرب، شأنها في ذلك شأن مراكز الصحة، التي لها اختصاصات وصلاحيات واسعة وهامة، هي ليست بالهيّنة، مرافق يجب أن تعرف بنياتها تحديثا، ومكاتبها تأهيلا وتجهيزا، وتزويدها بالموارد البشرية وتمكينها من التكوين المستمر، وأن يتسم عملها بالانتظامية والاستمرارية وفقا لمواعيد وأجندات مضبوطة عمليا وليس فقط ورقيا، وأن يكون هناك حرص على تحفيزها وتأمينها عن المخاطر، مساهمة منها في حفظ الصحة والوقاية عمليا لانظريا !
الكاتب : وحيد مبارك - بتاريخ : 22/05/2017