بالصدى … «إعاقات»

وحيد مبارك Wahid.abouamine@gmail.com
خلّد المغرب يوم الخميس الفارط 30 مارس ، فعاليات اليوم الوطني للمعاق، واحتفى أمس الأحد 2 أبريل، باليوم العالمي للتوحد، وبين الحدثين، وإن كانت المدة الفاصلة بينهما لاتتجاوز اليومين، مساحات عريضة حالكة السواد، ومسافات كبيرة من الإعاقات العضوية والنفسية، وعناوين متعددة للألم والمعاناة، لايكتوي بنيران المسكوت منها والمُعلن، المرضى لوحدهم فحسب، بل ترخي بتبعاتها على يوميات أسرهم، فردا فردا، ويترتّب عنها الكثير من التصدع في حالات عديدة، بالنظر إلى أن سباق المسافات الطويلة بحثا عن التشخيص الحقيقي، والعلاج، مع مايعنيه من ذلك من مستلزمات، وصولا إلى الإدماج الذي بات من سابع المستحيلات، فعدد من الأسر تفكّكت وأخرى أفلست، وأفواج من المرضى الذين إن لم يتم التسوّل بهم فإنهم يعيشون سجناء مقيدين بالأغلال في ركن من الأركان؟
إعاقات لاتعكس حقيقتها الأرقام، إذ تغيب الإحصائيات المضبوطة، خاصة حين يتعلّق الأمر بمرض كالتوحد، وتستسلم أمام واقعها القوانين والمذكرات وجموع الاتفاقيات، فيظل عدد كبير منها جامدا حين تجد النصوص نفسها بدون روح، نتيجة لـ «إعاقة» في الفهم والاستيعاب عند هذا المسؤول أو ذاك، وهنا يُطرح سؤال عريض بشأن الآليات الفعلية الواجب توفيرها من أجل تنزيل ما تم تدبيجه، ويكفي أن نستحضر في هذا الصدد القانون الإطار للأشخاص في وضعية إعاقة 97.13، الذي تمت المصادقة عليه في الولاية الأخيرة للبرلمان إبان الحكومة السابقة، والذي يعدّ متطورا بحسب المهتمين والمتتبعين، بالنظر إلى الترسانة الحقوقية التي تضمنها، والذي ينهل من دستور 2011، ومن الاتفاقيات والمواثيق الدولية التي كان المغرب من أوائل الدول التي صادقت عليها وعلى بروتوكولاتها، والذي ينص على الحق في الصحة في بعده الشامل، الأمر الذي لايتم الحرص على أجرأته، ما دامت الشراكة مع وزارة الصحة هي مقيّدة بتوفير هذا الحق «في حدود ما هو متوفر»؟، إضافة إلى حقّ آخر بدوره تم تعطيله والمتعلق بالتمدرس والإدماج، إذ أخلفت عدد من الإدارات التابعة لوزارة التربية الوطنية والتكوين المهني الموعد، من خلال سعيها لإغلاق مؤسسات التعليم العمومية عوض فتحها في وجه الجمعيات العاملة في المجال والمرضى المنخرطين بها، علما بان عددا من الجمعيات هي شريك أساسي، وتقوم بأدوار جدّ رائدة، بل وأنها تقوم مقام قطاعات وزارية في الاعتناء بفئة من فئات المرضى المصابين بإعاقات، ومع ذلك تذهب مجهوداتها سدى، حين تصطدم بواقع الأبواب الموصدة!
واقع يسائل الجميع، ويمكن أن نستدلّ في هذا الصدد بنموذج واحد، على سبيل المثال لا الحصر، وهو المتعلق بجمعية إدماج للتوحد بالحي المحمدي على مستوى الدارالبيضاء، التي وُضعت أقسام بابتدائية طه حسين رهن إشارتها في وقت سابق، تمكنت بواسطتها من منح الفرصة لـ 67 طفلا، علما بأن لائحة الانتظار التي تتوفر عليها الجمعية تعرف حضور 210 أطفال، كانوا بدورهم يمنون النفس وأسرهم بأن يتم استقبالهم والتعامل مع حالاتهم للتخفيف من حدتها على أمل تحقيق الإدماج، وفي الوقت الذي كان يرجى منح الجمعية مساحات أكبر للمساهمة في التخفيف من وطأة التوحد على الأطفال، تمت مطالبتها بمغادرة المؤسسة بدعوى إغلاقها، هذا القرار الذي انعكس على العلاقة التي تربط الجمعية بالمبادرة الوطنية للتنمية البشرية، التي من المفروض أنها معنية هي الأخرى بهذه الفئة وباحتياجاتها، وبالتالي المساهمة ماديا في توفير الإمكانيات لتأهيلها ،إذ قرّرت وقف تعاملها مع الجمعية لعدم توفرها على شراكة مع وزارة التربية الوطنية، مما يعني أن الأطفال باتوا عرضة للشارع وللإهمال والضياع، ولتفادي ذلك يتعين على أسرهم تحمل كافة المصاريف المادية، والتي هي في الحدّ الأدنى تصل إلى 2500 درهم بالنسبة لكل مصاب بالتوحد؟
أعطاب الإعاقات هي متعددة، ولايمكن اختزالها في بضعة أسطر حتى يمكن تسليط الضوء على حجم الألم الذي يسكن في تفاصيلها، وسنقتصر على أن نسوق تدخلا حارقا لسيدة ،بحر الأسبوع الفارط، على هامش انعقاد لقاء حول الإعاقات والذي استضيف له «رجل دين»، للحديث عن الموضوع، واختار أن يوضح كيف أن «المعاق» لايتزوج ولايرث وغيرها من الأمور، باعتباره فاقدا للإرادة والقدرة على التمييز والقرار، مما يصنّفه ضمن خانة من الخانات، التي لن نشير إليها، فما كان من الأمّ إلى أن أفجعت القاعة بسؤال تطلب من خلاله فتوى بشأن «الخدمة» التي تقدّمها لابنها المعاق والمصاب بشلل نصفي، والبالغ، مضيفة أنه تنتابه الرغبة الجنسية فيصاب بحالة من الهيجان المصاحب بصراخ حادّ والعنف الهستيري، وبالنظر لعدم قدرته على الحركة ومن خلالها القيام بالعادة السرية، فإنها هي من تتكفّل بذلك!
سؤال مطروح على الجميع التفكير فيه والبحث له عن أجوبة، مادام المصاب بإعاقة ما، لانتذكره إلا عند كل يوم وطني أو عالمي، أو نلخّصه في شخص يمر أمامنا على كرسي متحرك، أو حين نتحدث عن الولوجيات لإدارة من الإدارات، في حين لاننتبه إلى كتلة الجليد العميقة المغطاة، مادام أن الجانب الظاهر منها لايعكس كل الواقع؟
الكاتب : وحيد مبارك Wahid.abouamine@gmail.com - بتاريخ : 03/04/2017