بالصدى .. الأمن الوطني .. و«الأبواب المفتوحة»

وحيد مبارك

اختتمت قبل أيام فعاليات الدورة السادسة من الأبواب المفتوحة التي تنظمها المديرية العامة للأمن الوطني، بتسجيل بحضور قياسي مقارنة بالدورات السابقة، فالجميع، صغيرا وكبيرا، بات مهتما بهذه المؤسسة الأمنية، كل من زاويته وحدود إدراكه، ومتابعا للإنجازات التي يحققها الأمن المغربي داخليا وخارجيا، وبالتالي فالرغبة في اكتشاف المستجدات التي يمكن أن تُعرض في حدث مهم من هذا القبيل وفي اللقاء بأمنيين، إناثا وذكورا للاستماع لشروحات مختلفة والإجابة عن استفسارات متعددة، وفي متابعة عروض تنم عن احترافية عالية تبعث على المزيد من الاطمئنان، لا يمكن إلا أن تكون دافعا مغريا للجميع، وليس فقط الأكاديميين والباحثين والإعلاميين، لمتابعة تفاصيل هذا النوع من «التظاهرات الأمنية».
وإذا كانت الجديدة قد احتضنت مجاليا فعاليات الدورة السادسة من الأبواب المفتوحة، فإن المتابع للشأن الأمني، خاصة خلال السنوات الأخيرة، سيعرف كيف أن «الأبواب المفتوحة» هي ليست مجرد عنوان على «معرض» في رقعة جغرافية معينة، أو شعار مرفوع للإعلان عن تنظيم تظاهرة لحظية أو عابرة، لأن الإدارة العامة للأمن الوطني قد جسّدت المقولة عمليا وقامت بتنزيلها بشكل أو بآخر على أرض الواقع، وأصبحت بالفعل مؤسسة منفتحة على الجميع وأبواب مقراتها، وبواباتها الإلكترونية مفتوحة في وجه الكلّ، من أجل البحث عن المعلومة والمعرفة والاطلاع وإنجاز الوثائق الإدارية المختلفة ولتقديم الشكايات وكل ما يهم المواطن المغربي في علاقة بهذا المرفق الإداري، الذي يرى فيه الجميع الضامن للأمن والأمان، الساهر على حماية الحياة والممتلكات الخاصة والعامة.
أبواب مفتوحة في وجوه المواطنين تجدها في توقيت اشتغال كل الدوائر الأمنية، خارج ساعات العمل الإدارية «المألوفة»، وذلك إلى حدود «ملامسة» منتصف الليل، قبل الانتقال للعمل بنظام الديمومة، الذي يُنتظر أن يشهد هو الآخر تغيرات في القريب، من أجل طي صفحة مركزة «البيرمانانس»، وتفعيل ديمومات مستمرة قريبة وفاعلة في كل دائرة. ويعكسها كذلك تخليق المرفق وأنسنته، والحرص على حضور البعد الحقوقي في تفاصيل عمله، بعيدا عن كل تجهّم وتعابير تجعل بعض المواطنين يعتقدون أنفسهم بأنهم مجرمين لمجرد أنهم ولوجوا دائرة أمنية لإنجاز وثيقة أو لتقديم تظلم، وهذا كان حال دوائر في زمن مضى بفعل سلوكات خاصة وليست عامة، وبالتالي فإذا ما استمر حضور بعضها اليوم فهو لن يكون إلا استثناء في ظل قاعدة الارتقاء بجودة خدمات المؤسسات الأمنية.
هذا البعد المنفتح الذي بات يتيح للمغاربة طلب مختلف الوثائق عبر البوابة الإلكترونية، وتقريب قوافل إنجاز بطاقة التعريف الوطنية، ويفسح المجال لمتابعة تفاصيل المؤسسة من خلال مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة، وقراءة بلاغاتها، والاطلاع على المحتويات المختلفة التي توثق لتدخلاتها وغيرها من التفاصيل الأخرى، والذي يعكس صورة مغايرة لصورة تقليدية ظلت لصيقة بجهاز الأمن، قد لا يكون عدد من المنتسبين إلى الأجيال الجديدة على علم بها، لكن من سبقوهم يحسّون بشكل واضح وملموس كيف أضحى هذا التغير الانفتاحي حاضرا وبقوة، ويتمنون المزيد منه في خدمة أمن المغاربة والوطن.
انفتاح، لا تقف تفاصيله عند البعد الداخلي جغرافيا بل تتجاوزه إلى خارج حدود المغرب، فالمؤسسة الأمنية تمكنت من أن تفرض نفسها كفاعل أمني أساسي ومحوري معززة حضورها دبلوماسيا، مساهمة في ضمان أمن واستقرار عابرين للقارات، في مواجهة تحديات الإرهاب والجريمة العابرة ذات الصلة بـ «الكارتيلات» مختلفة «النشاط الإجرامي» وغيرها، وهو ما تترجمه الإشادات ورسائل التنويه والتوشيحات «متعددة الجنسيات»، ويكشف عنه حضور الأمن الوطني في مختلف المحافل للمساعدة على تنظيم التظاهرات والتأطير وعلى تكوين أمنيين في دول أخرى.
هذه «الأبواب المفتوحة» المتعددة كلّها وغيرها، تجعل المتتبع يقف كذلك عند باب آخر لا يقلّ أهمية عن باقي «المداخل» الأخرى، ولا يمكن إغفاله، الذي تنفذ من خلاله المؤسسة إلى قلوب نساء ورجال الأمن الممارسين وإلى متقاعديها وأراملهم، وفلذات أكبادهم، في الحج ورمضان وخلال مناسبات تتويج المتفوقين دراسيا وباقي اللحظات ذات البعد الاجتماعي، دون أن ننسى صور استقبالها لأطفال من أسر مختلفة في مشاهد تعزز علاقة المؤسسة بالناشئة وتكرّس للأمن المواطن الذي يمكن لنساء ورجال الغد أن يتشبعوا به لخدمة وطنهم.
إن أية تفاصيل أخرى، لا يمكنها أن تغلق بابا من هذه الأبواب المفتوحة، فالمؤسسة الأمنية حريصة على أن يكون أمنيوها، إناثا وذكورا، على قدر المسؤولية المنوطة بهم، وكل إخلال يتم تسجيله في هذا الإطار تتخذ بخصوصه الإجراءات التأديبية والقانونية، للقطع مع كل شائبة تعاكس تيار الإصلاح والتحديث والتخليق الذي تنهجه الإدارة العامة للأمن الوطني، التي تجد نفسها مسؤولة في كثير من الأحيان كذلك عن تدبير تبعات أعطاب سياسات اجتماعية واقتصادية لقطاعات حكومية مختلفة افتقدت للنجاعة المرجوة منها حين تسطيرها، الأمر الذي يدعو إلى ضرورة تكامل السياسات لتخفيف هذا النوع من الأعباء الإضافية، الذي يمكن تفاديه بالحكامة والشفافية ومحاربة الفساد في قطاعات أخرى لتحقيق أمن مجتمعي متكامل الصورة.

الكاتب : وحيد مبارك - بتاريخ : 28/05/2025