بالصدى … الإدمان، القانون .. والواقع المهني
وحيد مبارك wahid.abouamine@gmail.com
أطفال، يافعون وشباب، في عمر الزهور، بعضهم كان كالحمل الوديع فأصبح في غفلة من والديه وحشا كاسرا، يتميّز بسلوك عدواني، لا يطال الأغراب فقط وإنما تشمل تبعاته العنيفة الأقارب كذلك، نتيجة لوضعية غير طبيعية، في حالات كثيرة انطلقت فصولها الأولى بمزاح، بعناد وتقليد، وانتهت إلى مالا تحمد عقباه، حين يسقط الضحية أسيرا لقيود لم يكن يعتقد يوما أنها ستغلّه، وسيصبح بدون إرادة وهو يسعى وراء جرعة من مخدر تختلف طبيعته/نوعيته لكن بتبعات وخيمة.
«كنا غير كنضحكو في القسم حتى لقينا روسنا ولينا مدمنين»، «صحابي عرضوا عليّ المعجون وباش منبقاش غريب قدامهم درت بحالهم ومنو دزت لشكيلطية، الكالة، الحشيش ثم القرقوبي»، «نثرة ورا نثرة، لقيت راسي مكنكتفيش غير بالكارو، دزت أنا وصحاباتي للشيشا ومن بعد وليت مكنحلش عيناي إلا مكميتش الحشيش» … شهادات مختلفة، لشبان وشابات، بعضهم تكفي جلسة بسيطة في مقهى أو في مجمع ما لكي تكتشف كيفية وقوعهم أسرى الإدمان، تتساوى شهاداتهم واعترافات آخرين ممن تحلوا بالجرأة والصبر وولجوا مراكز طب الإدمان، وصرّحوا بما عاشوه ومايعانونه اليوم؟
شهادات مؤلمة تعبّر عن حجم الألم وعن منسوب الضياع الذي يحسّه عدد كبير من المدمنين، الذين ارتشفوا جرعة سيجارة يوما ثم انتقلوا إلى النرجيلة، أو أولئك الذين أدمنوا الشيرا والكوكايين، أو الفئة «المعوزة» من المشرّدين وغيرهم ممن وجدوا ضالتهم الإدمانية في مخدر اللصاق المعروف بـ «السلسيون» وفي «الدوليو»، الذين حين تنصت إليهم جميعهم تجدهم يؤكدون عجزهم عن الإقلاع عن الإدمان، خاصة أولئك الذين لم يطرقوا يوما أبواب المصالح الطبية المعنية، والذين يعلنونها «هادشي مشا ليا مع الدم»، «مكنبقا عاقل على والو عيني كيتسدو»، «إلا قطعتو غدي نموت»، في صريحات تؤكد الحالة التي يعيشها المدمن في انتقاله من مرحلة الوعي إلى اللاوعي!
مخدرات تتوزع بين «الطبيعية» منها كالحشيش والقنب الهندي والكيف، وبين تلك المصنعة كمضادات الاكتئاب والمسكنات والمنومات…، الحديث عنها وعن المدمنين، الذين تشير الأرقام الرسمية إلى أن عددهم يتجاوز 800 ألف مدمن، 70 في المئة منهم تتراوح أعمارهم بين 18 و28 سنة، هذا في الوقت الذي سبق وأن أكدت دراسة أجرتها مديرية الأوبئة ومحاربة الأمراض المعدية أن 16 ألف مغربي يدمنون على المخدرات القوية من هيروين وكوكايين، لا يروم تسليط الضوء على حجم المعضلة فحسب وتبعاتها المأساوية، قتلا وانتحارا وغيرهما، بل الغاية منه كذلك مساءلة «ثمار» هذا التخصص الذي بات يدرس في كليات الطب للأطباء المختصين أو العاميين، والذي يوفر دبلوما لـ «أديكتولوجي»، مما يسمح للطبيب المعالج بامتلاك آليات، منها العلاج بالأدوية حسب حالة المريض والمادة المخدرة المستعملة، إما في مراكز علاج الإدمان أو في المراكز الصحية أو في عيادات القطاع الخاص، أو العلاج النفسي والسلوكي سواء الفردي أو الجماعي، وما الذي استطاع تحقيقه خاصة على مستوى المؤسسات الصحية العمومية، بالنظر إلى أن شريحة كبيرة من المدمنين وبممارسات إجرامية هم من الطبقات الشعبية، بالأحياء الفقيرة والهامشية.
أسئلة معلّقة، هي تحتاج اليوم أكثر من أي وقت مضى لأجوبة عنها، بالنظر لحجم الحوادث المسجّلة، والممارسات الملحوظة بالشارع العام يوما عن يوم، ويكفي في هذا الصدد، إحصاء حالات الاعتداء بالأسلحة البيضاء من طرف أشخاص مخدّرين على ضحاياهم بغاية السرقة، للوقوف على حقيقة مفجعة وصادمة، فما الذي استطاعت الإستراتيجية الوطنية للوقاية والعلاج من الإدمان على المخدرات تحقيقه، وأي تقييم يمكن أن يقدّم عن التدابير الوقائية والعلاجية والأمنية والإجراءات المواكبة في إطار هذه الإستراتيجية، وأين وصل التنسيق بين كل الفاعلين والمتدخلين الأمنيين والتربويين والصحيين والمجتمع المدني؟ وما الذي حققته مراكز طب الإدمان السبعة من أصل 12 التي تم إحداثها التي يشرف عليها «أطباء اجتماعيون» أو أطباء نفسانيون حصلوا على تكوين في مجال الإدمان، وهل استطاعت تجاوز عائق الخصاص في الموارد البشرية الذي يفرمل من تطور المنظومة الصحية بشكل عام، وفي خضم كل هذا يطرح سؤال مركزي، عن الجهة المعالجة، والمتمثل في العدد الذي يتوفر عليه المغرب من حيث الأطباء المختصين في طب الإدمان، وهل هناك إطار قانوني لهذا التخصص، على غرار الطب الرياضي وطب الشغل وغيرهما، وأية برامج علمية تُعتمد على مستوى مراكز طب الإدمان التي أشرنا إليها، من أجل تطوير المهارات الحياتية عند الأطفال والشباب التي تم تقسيمها من طرف منظمة الصحة العالمية واليونسكو إلى عشرة، وغيرها من علامات الاستفهام الكثيرة التي لها صلة بممارسة مهنية سليمة، قانونية، مادية ومعنوية، والتي من شانها أن تحقق النجاعة المنتظرة في مواجهة مدّ الإدمان المتصاعد؟
الكاتب : وحيد مبارك wahid.abouamine@gmail.com - بتاريخ : 10/05/2018