بالصدى .. الباقي استخلاصه وتحديات تنمية المالية الترابية

وحيد مبارك
يرى عدد من خبراء المالية والمختصين في الشأن المالي عامة، بأن تعبير «الباقي استخلاصه» هو مجرد «بدعة سياسية» تم اختلاقها لتبرير ما لايبرر، وبأن المشرع لم يأت بهذا المفهوم بما أن القانون 15.97 واضح لا لبس أو غموض فيه، ويمنح كل الصلاحيات الضرورية من أجل جرد كل ما يتعلق بجبايات المالية الترابية، نموذجا، وإصدار الأوامر المتعلقة بها لكي تقوم المصالح المختصة بتحصيلها، سواء من خلال مسطرة ودّية كما أكدت على ذلك المدونة أو بشكل زجري، وفي حال تعذر ذلك والتأكد من أن الدين غير قابل للتحصيل يتم اعتماد مسطرة الإلغاء، وصولا إلى سقوط حق التحصيل بالتقادم، وهو الأمر الذي يؤكد على ضعف الحكامة ووجود اختلالات وإشكالات وجب معالجتها.
هاته الخطوات الثلاث؛ علما بأن هناك خطوة رابعة لكنها تتعلق بالإدانات النقدية التي تقضي بها محاكم المملكة في قضايا الجنح والجنايات ولا تكون ديون الجماعات الترابية معنية بها على المستوى الضريبي؛ تظهر أهميتها الكبرى ومعها ضرورة تفعيل كل الآليات التي من شأنها تنمية المالية الترابية وحمايتها من الضياع وبالتالي تنمية مالية الدولة بشكل عام، حين الوقوف على حجم المبالغ المالية الثقيلة جدا التي تضيع كل سنة، والتي يتم إدراجها في خانة «الباقي استخلاصه» والتي تصل إلى ملايير السنتيمات، في حين أن عددا من الجماعات الترابية عليها ديون ثقيلة وفوائد مترتبة عنها، وتحتاج إلى ميزانيات مهمة من أجل الاستثمار ومن أجل مواجهة تحديات التنمية المحلية.
عجز يرى عدد من المتتبعين للشأن المالي الترابي أنه ما كان ليكون لو توفرت إرادة سياسية قوية لوقف هذا «النزيف» والقطع مع مظاهر هذا الهدر المالي، ويكفي أن نتذكر كيف أن وزير الداخلية اعترف في وقت سابق خلال جلسة للأسئلة الشفهية بمجلس المستشارين في يونيو 2022 بأن هناك صعوبات تعترض طريق تسوية إشكالية الباقي استخلاصه والذي بلغ حوالي 33 مليار درهم؟ هذا التصريح ومعه الأرقام المالية غير المتحصلة عن كراء ممتلكات ومرافق جماعة الدارالبيضاء، على سبيل المثال، من مطاعم وأسواق وعقارات وما يتعلق باستغلال الملك العمومي وغير ذلك، يؤكدان بأن هناك خللا كبيرا ووضعا معتلا يفوق «العجز» ويتعداه إلى أشياء أخرى، «حارت» معها وزارة الداخلية عن فك شفرتها، وإيجاد الحلول الطبيعية لها، بالنظر إلى أن هذا الاختصاص المالي الترابي لم يقدم القيمة المضافة المرجوة منه، بل أنه صار عبئا كبيرا تترتب عنه الكثير من التداعيات ذات الصلة بالتنمية المحلية في أبعادها المختلفة.
وإذا كان الباقي استخلاصه الذي هو عبارة عن ديون ومستحقات مالية تمت تصفيتها وتسجيلها كمداخيل في الميزانية، لكنها لم تحصل على أرض الواقع، يطرح إشكالا كبيرا على مستوى المالية الترابية، ولايعطي الحقيقة بدقة وواقعية حول وضعية الديون، بما أن الأمر يتعلق برسوم وحقوق مالية صدر الأمر بتحصيلها وتتواجد عند المحاسب العمومي، فإن ديونا أخرى لا تقل أهمية قد لا تظهر ملامحها ولا تصدر أوامر التحصيل المتعلقة بها لسبب أو لآخر، ومنها ما يتعلق بالأراضي العارية غير المبنية، التي يجد عدد كبير منها نفسه خارج دائرة التضريب، تحت مبرر الاستغلال الفلاحي أو عدم الربط بالكهرباء والماء، وغير ذلك من التفاصيل التي تتطلب مجهودا لتحسين حكامة التحصيل الجبائي وتفادي كل اختلال في التوازن المالي ما بين الاعتمادات والمداخيل الفعلية، ولتجاوز وقع ثقل المديونية واستمرار طلب ضخ تحويلات إضافية لسدّ العجز.
إن واقعا من هذا القبيل، يترتب عنه تعطيل تنمية المالية الترابية، يستوجب التوقف عنده وقفة جدية لمعالجة كل الأعطاب التي تتسبب في استمراره، سواء تعلق الأمر بالنصوص القانونية، كما هو الحال كذلك للقانون 47.06 الذي تظل عدد من مقتضياته غير مفعّلة على أرض الواقع، بحسب المهتمين، ومن بينها ما يتعلق بالرسم على بيع المشروبات واعتماد «المبدأ الاتفاقي» في عدد من المناطق، وذلك على سبيل المثال لا الحصر، أو تعلق الأمر بالبحث عن صيغ لحلول وبدائل عملية للرفع من كفاءة الجبايات المحلية وتعزيز حكامتها، وكذا تطوير الجانب التكويني المتعلق بهذا الشق، إلى جانب تفعيل آليات المراقبة للمجالس الجهوية للحسابات، حتى يشهد هذا الجانب تطورا كما تعرف ذلك عدد من الضرائب كتلك التي تتعلق بالضريبة على الدخل، والقيمة المضافة، والسكن، والخدمات الجماعية، والضريبة على الشركات وغيرها، مع الحرص على عدالة جبائية تجعل المغاربة على قدم المساواة، في الحقوق والواجبات.
الكاتب : وحيد مبارك - بتاريخ : 30/07/2025