بالصدى: التبرع بالأعضاء بين القرار المؤسساتي والاجتهاد الشخصي

وحيد مبارك
نظم المجلس العلمي لعمالة مقاطعات ابن مسيك بالدارالبيضاء ،بتعاون مع مندوبية وزارة الصحة قبل مدّة، ندوة علمية حول التبرع بالأعضاء والأنسجة، مساهمة من المؤسستين في النقاش العمومي، الذي ينهل مما هو علمي وطبي ومن المرجعية الدينية، خاصة وأن هذا الموضوع لايزال يصنّف ضمن خانة الطابوهات ولايحظى بكثير من الاهتمام، اللهم ما يسلّط عليه من أضواء تظل ظرفية لارتباطها بمواعيد استثنائية لاتتسم بالانتظامية والاستمرارية.
ندوة أكد المنظمون أنها تهدف إلى الإسهام في التعريف بعملية التبرع بالأعضاء والأنسجة، وتجلية موقف الشرع والقانون والطب منها، حيث تمت استضافة البروفسور أمال بورقية رئيسة الجمعية المغربية لمحاربة أمراض الكلي، والقاضية الأستاذة نادية أمزاوير نائبة رئيسة المحكمة الاجتماعية بالدار البيضاء والأستاذة بالمعهد العالي للقضاء بالرباط، والدكتور قاضي برهون عضو المجلس ومنسق لجنة التوعية والإرشاد بالمجلس العلمي، و عمل كل متدخّل منهم على تسليط الضوء على الموضوع انطلاقا من زاوية اختصاصه، وهو ماجعل المداخلات تستأثر باهتمام الحاضرين، وإن ساهم بعضها في خلق لبس، إن لم يكن قد قدّم توجيها، تلميحا لا تصريحا، وهو ما عكسته مجموعة من المداخلات خلال النقاش، حيث تأكّد بأن هناك بونا شاسعا بين الطبيب والفقيه، على مستوى تعاطيهما للموضوع.
مداخلات الندوة تبين الحاجة للوقوف عندها لأنها تعكس تذبذبا في المواقف، وتبرز أن الرؤى بشأن التعاطي مع موضوع التبرع بالأعضاء هي متباينة ولاتنطلق من قاعدة واحدة تحظى بإجماع كل الفاعلين بهذا الشأن. فإذا كانت القاضية قد حرصت على التقيد بالمضامين القانونية المؤطرة للمجال، فإن الطبيبة عكست معاناة المرضى وآلامهم وتبعات حاجتهم لعضو من الأعضاء التي قد تؤدي بهم إلى مفارقة الحياة، وأبرزت في نهاية المطاف ملحاحية التبرع بالأعضاء كحلّ جذري لمعالجة جملة من الأعطاب الصحية. إلا أنه خلافا لهما فقد قدّم الفقيه ممثل المجلس العلمي، روايات واستشهادات نصية فقهية، تأرجحت ما بين الترغيب في الإقدام على خطوة التبرع تارة، والترهيب منها تارة أخرى، مع إفراد حيز نصّي وزمني كبير لهاته الأخيرة، دون الإفصاح عن رأي شخصي واضح ومباشر، وإن أعرب المتحدث في جواب له عن سؤال بهذا الخصوص عن تذمره من محاولة استدراجه للإعلان عن موقف لايريد الإفصاح عنه؟
دعوة ضمنية لعدم التبرع بالأعضاء، هي خلاصة تدخل ممثل المجلس العلمي، التي حاول «تصويبها» مسير الجلسة، الذي هو في نفس الوقت عضو في المجلس، مذكرا بموقف المجلس الأعلى وخطواته، لكن استدراكه لم يجد صداه عند أغلب من كونوا قناعة مغايرة، والذين ارتووا بمداخلات زميله، الذي اتضح أن لكلامه وقعا خاصا على المتلقّين، وهو ما يتعيّن معه إعادة طرح أسئلة كثيرة ترتبط بموقف رجل الدين المغربي، من جملة من القضايا التي لها صلة بما هو شرعي، ومن بينها موضوع التبرع بالأعضاء نموذجا، وعلاقته بالمؤسسة، أخذا بعين الاعتبار أن خطب للجمعة وعلى الصعيد الوطني، كانت قد خُصّصت للحث على التبرع الأعضاء، واعتبر هذا الأمر شأنا حكوميا ساهم في الترويج له مجموعة من الوزراء في الحكومة السابقة، فضلا عن مرافعات الفاعلين الجمعويين، إذ أن التعبير عن موقف شخصي قد يكون متقبّلا من زاوية الحق في التعبير والاختلاف، لكن ما يتعيّن الوقوف عنده هو الحديث باسم مؤسسة، أصدرت مركزيا قرارها فلايجد صداه فرعيا!
إن السجال بين ما هو شرعي وما هو طبي علمي بشأن التبرع بالأعضاء سيتواصل، وإن سبقتنا دول إسلامية في إصدار فتاوى تجيز هذه الخطوة، وسيستمر بغض النظر عن موقف مؤسساتنا التي دعت بدورها إلى ذلك، ما دام النقاش هو غير مؤسس على قواعد سليمة، ولايجد صداه في الأسرة، والمدرسة، وفي الإعلام، ولا يتم تناوله إلا مناسباتيا، وهو ما يتعيّن معه إعادة النظر في زاوية التعاطي مع هذا الموضوع وأشكال معالجته. إلا أنه وفي انتظار ذلك فإننا لايمكن أن نغفل حقيقة تتمثل في أن أكثر من 20 ألف مغربي يعانون من الفشل الكلوي وهم في حاجة لزراعة كلية لأنهم يخضعون لحصص «الدياليز»، دون احتساب الذين هم في حاجة إلى قلب، أو للكبد أو لأعضاء أخرى، في وقت لا يتجاوز عدد الأشخاص الذين عبّروا عن نيتهم في التبرع بعد وفاتهم 1300 شخص، علما بأنه يمكن لمتبرع واحد أن ينقذ حياة ما بين 4 و 5 أشخاص على الأقل، فالمتبرع يمكنه أن يمنح قلبا لمن هو في حاجة إليه، وكليتيتن، إضافة إلى الكبد، بالنسبة للأعضاء الحيوية، إلى جانب القرنية التي تمكّن من إعادة البصر إلى إنسان فقده، وكذا الأنسجة التي يمكنها أن تساهم في جودة الحياة لمن سيكون بإمكانه الاستفادة من هذا التبرع.
الكاتب : وحيد مبارك - بتاريخ : 08/05/2017