بالصدى .. «الحكيم» والحكامة في «دار الصحة»

وحيد مبارك

افتتح المجلس الجهوي لطبيبات وأطباء جهة الدارالبيضاء سطات مقره الجديد يوم الأربعاء الأخير، الذي طال انتظاره لمدة تصل إلى 20 سنة كما صرّح بذلك رئيس المجلس الدكتور عبد الكريم زبيدي، وذلك بحضور فعاليات صحية مدنية وعسكرية، ومشاركة وزراء سابقين وأساتذة وأطر تحملوا مسؤوليات في وزارة الصحة قبل بلوغ سن التقاعد، إلى جانب المدير العام للمركز الاستشفائي الجامعي ابن رشد ومديري مستشفى ابن رشد وعبد الرحيم الهاروشي، وعميدة كلية الطب والصيدلة، ورؤساء جمعيات علمية كما هو الحال بالنسبة للدكتور مولاي سعيد عفيف رئيس الجمعية المغربية للعلوم الطبية وغيرها.
حدث نوعي عرفته الهيئة الجهوية بافتتاحها لمقر شارك في حفل قصّ شريطه رؤساء وأعضاء سابقون بهذا التنظيم الجهوي إلى جانب رئيس الهيئة الوطنية، وتميزه لم يكن مرتبطا فقط بخطوة تشييد بناية كاملة بمواصفات حديثة تتوفر على شروط الاستقبال وعلى فضاءات تفتح بابا واسعا لبرمجة اللقاءات العلمية المختلفة التي تندرج في إطار التكوين المستمر، أو لاستقبال المهنيين من أجل تذليل الصعاب المسطرية أمامهم، ونفس الأمر بالنسبة لتظلمات المواطنين وشكاياتهم، ولكن كذلك في طبيعة الحضور الذي أسّس لمهنة الطب في بلادنا في بداياتها إلى غاية اليوم، كل من موقعه الأكاديمي أو الجمعوي أو غيره، سواء في علاقة بتكوين أجيال من الأطباء أو بمبادرات وخطوات السعي نحو إصلاح السياسات الصحية وجعلها أكثر إنسانية بالشكل الذي يضمن كامل الحق لكافة المواطنين للولوج إلى الصحة بدون قيود أو إكراهات مادية أو معنوية.
حضور غني ومتنوع أبى إلا أن يكون حاضرا لحظة «ولادة» هذا الفضاء الذي اختير له اسم «دار الحكيم»، وهنا لا بد من التوقف عند هاته التسمية الدقيقة والمتميزة بدلالتها المتعددة وأبعادها العميقة، التي تتجاوز مجرد لقب تم إطلاقه وإن قد يبدو للبعض «شاعريا» مدغدغا للعواطف، ويتعدى مقرا مهنيا في رقعة مجالية معنية ليمتد إلى قطاع برمّته، هو في حاجة اليوم أكثر من أي وقت مضى إلى حكماء لا إلى أساتذة وأطباء ومهندسين وممرضين وتقنيين وغيرهم فقط، وإلى اعتماد الحكمة في كل تدبير وعند وضع كل برنامج ومخطط وسياسة صحية، وحكامة في تدبير قطاع كلها أنين وآهات، المفروض أن يخفف الآلام ويعالج الأمراض، ويعيد البسمة إلى الوجوه لا أن يزيد من معاناة المرضى.
هاته الحكمة «المفتقدة» في كثير من حلقات المنظومة الصحية، حضرت في الكلمة التي ألقاها الكاتب العام لوزارة الصحة والحماية الاجتماعية الدكتور مزيان بلفقيه خلال حفل افتتاح «دار الحكيم» وهو يتحدث عن «دلالاتها الرمزية العميقة التي تربط بين القيم الإنسانية المتأصلة للمهنة الطبية من جهة، وشتى أشكال جوانب الممارسة الوقائية والعلاجية من جهة أخرى»، ويشير إلى معطى أساسي حين قال «تأتي دار الحكيم كمؤسسة مهنية وأخلاقية تجسد روح المسؤولية وفضاء للحوار ومرجعية لتأطير الممارسة الطبية»، ولعلّ من بين أكبر الأعطاب المستعصية عن العلاج ما يتعلق بتخليق المهنة أمام «سيادة الجشع» عند البعض، الذين جعلهم همّ الاغتناء ينسون تفاصيل قسم أبوقراط، وينظرون إلى المريض على أساس أنه مصدر للكسب المادي وإن تجاوز ذلك البعد الأخلاقي في كثير من الحالات، بعيدا عن الرسالة النبيلة لمهنة الطب؟
الأكيد أن هؤلاء البعض هم فئة قليلة، لكن تداول تفاصيل ممارساتهم الشائنة على نطاق واسع، يجعل القطاع يظهر كما لو أنه بات «مركّبا جراحيا» لاستئصال وبتر القيم عوض أن يكون بلسما وعلاجا شافيا، وبالتالي فنحن في حاجة ماسة إلى أن تكون مؤسساتنا الصحية عمومية وخاصة، «فضاء يتقاطع فيه الواجب المهني مع البعد الإنساني». هذه الجملة الأخيرة التي أقتبسها من سياق الكلمة التي ألقاها الكاتب العام الذي مثّل الوزارة في الحفل نيابة عن الوزير الوصي على القطاع، لوضعها في سياق أكثر عمومية وشمولية، تترجم كل شيء وتضع الأصابع على مكامن الخلل، فمهنة الطب بدون أخلاق مفتقدة للقيم الإنسانية لن تكون سوى عملية ميكانيكية ستتحكم في تفاصيل «نوابضها» ودوران «أسطواناتها» معايير مادية جافة وجامدة تحوّل الموت الفعلي والرمزي إلى عملة بنفس الوجهين.
وبما أننا نتحدث عن «حوكمة» في تدبير قطاع الصحة بكافة مرتكزاته، فإنه بالعودة إلى الكلمة الملقاة خلال افتتاح «دار الحكيم»، نجد بأن هناك إقرارا صريحا بأهمية ودور الرأسمال البشري، وبضرورة تعميق التعاون بين كل الفاعلين في القطاع لمواجهة «التحديات الراهنة والمستقبلية»، وبالحاجة إلى بناء منظومة صحية أكثر تماسكا وعدالة وفعالية، وهو ما يبين على أن الأعطاب معروفة وعليها إجماع الكل، سواء من هم في التسيير وعلى مستوى تحمل المسؤولية أو الذين يوجدون في «الضفة الأخرى»، وبالتالي فما هو مطلوب اليوم، هو الانتقال من موقع التشخيص «طويل الأمد» إلى مرحلة العلاج الآني لوقف كل نزيف قد يكون له ما بعده، على مستوى الكلفة والزمن.
وختاما، هنيئا لطبيبات وأطباء جهة الدارالبيضاء سطات بدارهم الجديدة، وليكن هذا المقر نقطة تحول لخدمة الصحة بشكل عام والمهنيين بشكل خاص، وليساهم في ضمان عدالة صحية للمواطنات والمواطنين، انطلاقا من أدوار ومهام الهيئة، التي تناط بها مسؤولية كبيرة عنوانها العريض هو التخليق.

الكاتب : وحيد مبارك - بتاريخ : 14/07/2025