بالصدى: السرطان والكشف المبكّر

وحيد مبارك Wahid.abouamine@gmail.com

 

السرطان عدو الإنسان، سالب للأرواح، مخرّب للذات، حتى وإن استطاع المريض تجاوز محنته العضوية والنفسية، وأكمل علاجه، فمخلفاته يكون وقعها ثقيلا، وأنواءه ليست بالهيّنة، فهو يفعل في الجسم فعله، ويخرّب مناعته، ويتلف عقارب الجسد في دورانها.
إنها حقيقة مرض يرعب الجميع، تقشعر له الأبدان، ترتعد له الفرائص، وتخفق وجلا منه القلوب، فكثير من الأسر عاشت الحزن لفقدان فرد جراءه، وعديد من الأحباب ودعوا أحبابهم قسرا، وفارقوا أصدقائهم مكرهين، أو عانوا الأمرّين معهم حين مرضهم قبل أن يتجاوزوا محنتهم، وكثير من النساء فقدن عضوا نتيجة له، إن لم يفقدن الحياة بأكلمها، وهو مايجعل حتى النطق به وتسميته في بعض الأوساط يكون أمرا عسيرا، حتى أنه يتخذ تسميات متعددة ومختلفة، لكنها تُنطق كلها برهبة وحذر.
داء، تتعدد أشكاله المرضية التي تطال النساء والرجال على حدّ سواء، وحتى الأطفال، مابين سرطان الدم، والثدي والرحم، والرئة والبروستات والمعدة، وغيرها من الأعضاء التي يتسلّل إليها الورم الخبيث فيكبر يوما عن يوم، ويضمن له انتشارا لايقف عند العضو الذي أصيب في أول مرة، بل يمكن للمريض أن يعاني منه بعد استئصاله حين يطال عضوا آخر. مرض يتسلل إلى الذوات بسرعة وفي صمت، إذ تبلغ حالات الإصابة الجديدة به كل سنة حوالي 40 ألف حالة إصابة، نتيجة لعوامل مختلفة، لها علاقة بالتغذية، وبنمط العيش تحت ظل الضغط والتوتر، وعدم ممارسة الرياضة، والتدخين، وشرب الخمر، وغيرها من العوامل المختلفة، علما أن سرطان الثدي عند النساء هو يتصدّر أنواع السرطانات بنسبة 36 في المئة، متبوعا بسرطان عنق الرحم بنسبة 11.2في المئة، وسرطان الغدة الدرقية، ثم سرطان القولون والمستقيم بنسبة 8.6٪ و5.9٪ . أما عند الرجال، فيشكل سرطان الرئة السرطان الرئيسي بنسبة 22 في المئة، متبوعا بسرطان البروستات بنسبة 12.6في المئة، ثم سرطان القولون والمستقيم بنسبة 7.9 في المئة.
نسب تدقّ ناقوس الخطر بشأن هذا المرض الذي يواصل زحفه على أجساد مرضاه، بالرغم من التطور الكبير الذي عرفه المغرب في مواجهة هذا الورم الخبيث نتيجة للأشواط التي قطعها، خاصة بفضل مؤسسة للا سلمى للوقاية وعلاج السرطان، والعمل الذي تقوم به وزارة الصحة بشراكة معها، إذ تؤكد الأرقام الرسمية أنه تم إنشاء وتجهيز وتشغيل 9 مراكز جهوية لعلاج السرطان بكل من الرباط، الدار البيضاء، أكادير، وجدة، الحسيمة، طنجة، مراكش، فاس، مكناس، إضافة إلى قطبين للتميز في علم الأورام النسائية، ومركزين لطب الأورام عند الأطفال بالرباط والدار البيضاء، علما أنه يتم تشييد ثلاثة مراكز جهوية لعلم الأورام بكل من بني ملال والعيون وجدة، فضلا عن مركزين آخرين لطب الأورام عند الأطفال في فاس ومراكش، وبناء وتجهيز وتشغيل 30 مركزا مرجعيا للكشف المبكر للسرطان، هذا في الوقت الذي يجري فيه تجهيز ثمانية مراكز، وبناء 10 مراكز أخرى، وكذا تكوين 4500 إطارا طبيا وشبه طبي في مجال المساعدة على الإقلاع عن التدخين، والكشف المبكر عن سرطان الثدي وعنق الرحم، ومتخصصين في الأنكولوجيا وفي الرعاية الملطفة، مع تمكين المرضى ذوي الدخل المحدود من الحصول على علاجات مضادة للسرطان في إطار برنامج الولوج للأدوية، ورفع الغلاف المالي المخصص للأدوية من 11 مليون سنة 2009 إلى 300 مليون درهم حاليا.
معطيات رقمية تبرز المجهودات المبذولة رسميا لمواجهة هذا المرض، وتكشف طبيعة الخطوات التي خطاها المغرب في هذا الصدد، أخذا بعين الاعتبار أنه يتم التكفل بأكثر من 200 ألف مريض بالسرطان كل سنة، إلى جانب استفادة أزيد من مليون و600 ألف امرأة من خدمات الكشف عن سرطان الثدي، وفي هذا الصدد فقد مكنت أنشطة الكشف، من تشخيص أزيد من ألف و200 حالة الإصابة بسرطان الثدي في سنة 2016، وهذا هو مربط الفرس، الذي يجب أن تنصب حوله جهود مختلف الفاعلين الرسميين والمدنيين، فثقافة الكشف المبكر لايجب أن تكون موسمية ومناسباتية، مرتبطة بحملة من الحملات، أو عند تخليد يوم من الأيام، بل يجب أن تكون لها الكلمة الأولى، وأن تتبوأ الريادة، وأن يتم إيلائها العناية التي تستحقها، تحسيسا وتواصلا، فتصبح حديث المجالس الخاصة والعامة، داخل الأسر، في المؤسسات التعليمية، بمقرات العمل، داخل، وعلى متن، ومن خلال حافلات النقل العمومي، وبمساهمة كل وسائل الإعلام المرئية منها والمسموعة والمكتوبة، وغيرها من الأشكال والفضاءات، حتى تصبح طقسا اعتياديا، لكي تترسخ في أذهان الجميع، عند النساء كما هو الشأن بالنسبة لسرطان الثدي، نموذجا، مابين40 و 69 سنة، وعند ظهور بعض الأعراض والتغييرات على الثدي، أو بالنسبة لسرطان عنق الرحم للنساء مابين 30 و 49 سنة. وعند الرجال، كما هو الحال بالنسبة لسرطان البروستات، مثالا، في سن 45 سنة عند وجود سوابق عائلية، وانطلاقا من الخميسنات إذا لم تكن هناك أية سوابق مرضية، وغيرهما، لأن الشخيص المبكر هو خطوة بالغة الأهمية في درب العلاج ضد السرطان والشفاء منه، ويمكّن من ربح أشواط زمنية وصحية هي لاتقدّر بثمن.
إن السرطان بالرغم من خطورته، ومن وقعه وتبعاته، هو مرض قابل للعلاج، والمريض بإمكانه التشافي، وأن يكمل حياته، لكن متى كان التدخل العلاجي بتعدد مراحله واختلاف أشكاله مبكرا، لأن ثقله حينها يكون أخف وطأة من مرحلة متأخرة يعيث فيها الورم مرضا في الجسد، ويحكم على المريض بمصير مضاد لأحلامه، لانتظاراته، ولآمال محبّيه.

الكاتب : وحيد مبارك Wahid.abouamine@gmail.com - بتاريخ : 01/02/2018