بالصدى .. «الشاطو والسبيطار»

وحيد مبارك

استأثر الحادث المأساوي الذي وقعت تفاصيله الدامية والمؤلمة في تراب جماعة أولاد يوسف ببني ملال يوم الجمعة الأخير باهتمام فئات عريضة من المغاربة الذين تابعوا عبر مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام المختلفة التي غطّت الواقعة بداياتها ومآلاتها، التي انتهت باعتداء على عنصر للوقاية المدنية ثم وفاة المعتدي الذي ظل معتصما لمدة ليست بالهينة فوق «الشاطو» بسبب طلب لم تتم الاستجابة له، وفقا لما تم تداوله، قبل أن يقرر وضع حد لحياته.
الأكيد أن هذا الحادث فيه الكثير من التفاصيل التي تطرح أكثر من علامة استفهام، والتي تتطلب أجوبة، سواء تتعلق بالاعتصام ومدته، أو المعتصم ومطلبه، أو كيفية تفاعل الجهات المعنية معه، أو طريقة تدخل عنصري الوقاية المدنية، وصولا إلى «نهاية القصة». لكن الجانب الذي يبقى هو الآخر مثيرا وإن بدا جزئيا في هاته النازلة ويتطلب هو الآخر وقفة عنده، هو الذي يتعلق بنقل عنصر الوقاية المدنية إلى مصحة لتلقي العلاج.
مما لا شكّ فيه أنه ما من أحد يمكنه أن يكون غير راضٍ على ضرورة بذل وتوفير كل العناية الضرورية ومن مستويات متقدمة لإسعاف وعلاج عنصر الوقاية المدنية الذي تعرض للتعنيف وللضرب قبل أن يتم رميه من فوق الصهريج العالي، ونفس الأمر بالنسبة لكل موظف عمومي تعرّض لحادث وهو يقوم بدوره في حفظ الأمن العام، أو التدخل لأجل إنقاذ حياة الغير وضمان سلامتهم وأمنهم وأمن الممتلكات، سواء كانت عامة أو خاصة، لكن خطوة «القفز» على المستشفى العمومي والتوجه صوب القطاع الخاص بشكل مباشر، يجعل المواطن العادي والمتتبع للشأن الصحي يستغرب من قرارات من هذا القبيل، لأنها سواء عن قصد أو عن غير وعي، فهي تبخّس من قيمة ومكانة هذا المرفق الصحي العمومي الذي من المفروض أن يكون قاطرة الصحة في بلادنا، في حين يتعين على القطاع الخاص أن يكون مكمّلا.
إن الكثير من المسؤولين يتجهون صوب القطاع الخاص بل ويسافرون خارج الوطن لتلقي العلاجات الضرورية بسبب أزمة صحية معينة، وهو أمر مقبول إذا انتفت التقنية وغاب المختص، لكن الواقع يبين على أن عددا كبيرا من هذه «السفريات» يتعلق بحالات مرضية من الممكن علاجها داخل أرض الوطن وفي مستشفيات المملكة التي توقّع عدد منها على عمليات جد دقيقة وجد معقدة والتي تتكلل بالنجاح، وهو الأمر الذي يحاول الكثيرون حجبه، ولا يسوّقون بالمقابل إلا الصور السلبية، عن حقّ أحيانا، وفي حالات أخرى لغايات لها أهدافها.
أمام هذا الوضع يبقى المستشفى العمومي، بشكل عام، بأعطابه وبالخصاص الذي يعاني منه على مستوى الموارد البشرية والمعدات البيوطبية والتقنية والأدوية، فاتحا أبوابه في وجه الفئات الهشّة والفقيرة، التي لا قدرة لها على تسديد الفوارق المالية المطلوبة للولوج إلى الخدمات الصحية في القطاع الخاص، بسبب التعريفة المرجعية «غير المعترف بها» اليوم في أروقة المصحات والمختبرات والعيادات، أخذا بعين الاعتبار أنه إلى جانب هذا القسط الذي يبقى على عاتق المؤمّن تسديده فإن المريض وأسرته يجدون أنفسهم مطالبين أيضا بتسديد مبلغ مالي آخر عبارة عن «نوار»، وهو ما يجعل من لاحيلة لهم يصطفون في طوابير أمام «السبيطار» الذي من المفروض أنه يجب أن يكون مستقطبا وان يضمن استمراريته المالية خاصة في ظل ما هو قادم؟

الكاتب : وحيد مبارك - بتاريخ : 15/07/2025