بالصدى : «المعلّقات»
وحيد مبارك Wahid.abouamine@gmail.com
ليست هي القصائد التي كتبت بماء من ذهب في العهد الجاهلي وعُلّقت على أستار الكعبة قبل مجيء الإسلام، والتي وُصفت بكونها من أروع وأنفس القصائد التي نظمت في الشعر العربي القديم، فالأمر يتعلّق بمعلّقات من نوع آخر، هي عبارة عن مبادرة بحس شبابي إنساني رفيع، استهلّ فكرتها طلبة شباب من أكادير، وتمت ترجمتها على أرض الواقع في تطوان، وبالنظر لثمارها الإيجابية قرّر آخرون أن ينخرطوا في التجربة وأن ينقلوها إلى الراشيدية، واليوم من المنتظر أن يسير على منوالهم شباب من فاس، طنجة، القنيطرة والدارالبيضاء، هذه الأخيرة التي تقرّر أن تشهد منطقة آنفا أولى خطواتها يوم الأحد 22 أكتوبر الجاري في انتظار التعميم.
«المعلّقات» هي فكرة تستند على إحصاء حاجيات المرضى المعوزين الدوائية في منطقة من المناطق، حيث يتم القيام بجرد ميداني لمن يعانون من أمراض مزمنة، مع دراسة الوصفات الطبية الطارئة التي توصف بناء على عوارض صحية الأكثر انتشارا، سيّما في مواسم الزكام والأنفلونزا، ويتم التنسيق مع صيادلة بصيدليات تنخرط في هذا الفعل التضامني، الذين يتم تسلميهم لائحة بالأدوية المرغوبة، ويتم تعليق شعار معيّن بفضاءها، وملصق يدعو المواطنين إلى المساهمة في اقتناء تلك الأدوية، التي يتم تجميعها وتسليمها للمرضى في مرحلة من المراحل.
برنامج تطوعي، انخرط فيه بالفعل شباب وصيادلة، آمنوا بالفكرة وبنبلها، لكونها تروم خلق مناخ للتبرع مبني على الثقة، الهدف منه إيصال الدواء لمن يتعذر عليه الولوج إليه، في ظل معيقات مادية بالأساس تحول دون ذلك، كيف لا والمعدل السنوي لاستهلاك الفرد للأدوية بالمغرب لايتجاوز 400 درهم، في وقت تنتشر فيه الأمراض وتتطور بالجملة، مزمنة كانت أو فيروسية، وتنتشر فيه خارطة الانتكاسات الصحية، العضوية والنفسية التي لاتعد ولاتحصى، مما يجعل الكثير من المرضى يئنون تحت وطأة الألم ويلتجئون إلى «وصفات» بديلة، جوهرها الأعشاب وغيرها من المواد التي قد تكون عواقبها وخيمة ووبالا عليهم لاقدّر الله.
إنها «معلّقات» العصر الحديث، كتبت تفاصيل فكرتها بمداد من الإرادة والعزم على تقديم يد العون، علّقت على واجهات صيدليات بعينها، ومن خلالها تطلّ علينا جميعا، تلفت انتباهنا، تسائلنا عما حققناه والذي يمكننا تقديمه لإخوان لنا، لجيران معنا، وحتى لأغراب نتقاسم معهم الانتماء لتراب هذا الوطن، مرضى، يتألمون، يتأوهون، يئنون، في صمت أو يكسر صوتهم رتابة الحياة، في منازلهم، في المستشفيات التي تكون مفتقدة لأنواع معينة من الأدوية، وفي الشارع العام وهم بدون مأوى. مرضى في حاجة إلى مبادرات كثيرة من هذا النوع لتخفيف الوجع عنهم، للإحساس بدفء التضامن، وبحنوّ الأكفّ المساهمة في خطوة من هذا القبيل، التي أبدعها شباب ولايمكن لها أن تحقق نجاحا فعليا في غياب تفاعل إيجابي من طرف الصيادلة الذين يفوق عددهم على الصعيد الوطني الـ 12 ألف صيدلاني، الموجّهة لهم الدعوة اليوم أينما وجدوا، لفتح صيدلياتهم ولمواكبة مسارات هذا البرنامج التطوعي حتى لا يحيد عن نبله، شأنهم في ذلك شأن عموم المواطنين، المساهمين المباشرين، ولما لا مختبرات الصناعة الدوائية، وكل من يؤمن بمبادرات مواطنة من هذا القبيل.
الكاتب : وحيد مبارك Wahid.abouamine@gmail.com - بتاريخ : 05/10/2017