بالصدى.. الوقاية كـ «شعار»

وحيد مبارك
تؤكد منظمة الصحة العالمية ومن خلالها باقي الوزارات المسؤولة عن هذا القطاع الحيوي إلى جانب الجمعيات العالمة في مختلف التخصصات الطبية في كل الدول، وضمنها المغرب، على أهمية اعتماد الوقاية كسياسة صحية فعلية، من شأنها أن تساهم في تراجع نسب الوفيات، والحدّ من منسوب انتشار الأمراض والعدوى الفيروسية بشكل عام، إلى جانب الرفع من أمد الحياة، وتقليص نسبة الإنفاق الذي يبقى مكّلفا للولوج إلى العلاجات، بالنظر إلى التحديات الكبيرة التي يطرحها التمويل الصحي، خاصة في الدول التي تعاني من مشاكل وصعوبات اقتصادية واجتماعية متعددة.
وبالعودة إلى الصحة في بلادنا، وفي ارتباط بموضوع النفقات العلاجية، تبين المعطيات الرقمية بأن 3 في المئة من مجموع المؤمّنين يستهلكون حوالي 50 في المئة من مجموع الميزانية المخصصة للتغطية الصحية، ويتعلق الأمر بمرضى يعانون أمراض يأتي على رأسها السكري، الضغط الدموي، السرطان، القلب والشرايين وغيرها. هؤلاء المرضى الذين كان من الممكن إما تجنّب أمراضهم، أو على الأقل الحدّ من مضاعفاتها، من خلال التشخيص والعلاج المبكرين، وهو ما يتطلب إلى جانب النصائح المتداولة والتي باتت «نمطية» بالرغم من أهميتها، والمتمثلة في نمط غذائي سليم تحضر فيه اللحوم الحمراء والبيضاء والأسماك ثم الخضر والفواكه؛ وجميعنا نعلم كيف أن الأسعار المرتفعة تحول دون تمكين فئات عريضة من المغاربة من اتباع نظام غذائي تحضر فيه كل المكونات المذكورة؛ إضافة إلى ممارسة الرياضة، والابتعاد عن التوتر والضغط والقلق، والعيش في بيئة نظيفة غير ملوثة تحضر فيها أشعة الشمس والتهوية، ( يتطلب ) فتح الباب أمام الوقاية الصحية بأقلّ كلفة وبعيدا كل البعد عما هي عليه اليوم.
إن طرق أبواب طبيب اليوم، يعني تشخيصا سريريا وفحوصات بالأشعة مختلفة وتحاليل مخبرية، وفي حال وجود أمر ما يجب على المعني بالأمر الانتقال لمستويات أعلى، على مستوى التخصص ثم الجراحة وغيرها من التدخلات الصحية المختلفة، والتي لا يمكن لمستخدم عادٍ وموظف بسيط، ولعموم المصنفين سواء ضمن الفئات الهشة أو حتى المتوسطة، تحمّل مصاريفها المادية التي يجب أن تسدد في الحال، وهنا يكفي الاستدلال بأن مريضا يعاني من مشكل معيّن على مستوى الجهاز الهضمي نموذجا، يجب أن يمر بمجموعة من المراحل التي تنطلق من فحص الطبيب بالعين المجردة ثم الفحص بالصدى، فالقيام بتحاليل، وفحص مزدوج بـ «السكانير»، مرورا بفحص القلب وتشخيص طبيب الإنعاش والتخدير، وصولا للخضوع للفحص بمنظار المعدة ومنظار القولون، ثم أخذ العينات لـ «تشريحها»، لبلوغ مرحلة العلاج بالدواء، في حال ما إذا كانت الوضعية لا تتطلب تدخلات من مستويات أخرى.
هذا المسار الذي سردناه، على سبيل المثال لا الحصر، نظرا لأن هناك وضعيات مرضية أكثر تعقيدا وبثقل ووقع أكبر، ماديا ومعنويا، عضويا ونفسيا، يتطلب مصاريف مادية ثقيلة، بعضها «علني» والبعض الآخر «سري» لايجد له طريقا إلى الفواتير وملفات التأمين، سيتبين بعملية حسابية بسيطة على أن أي شخص تعرض لهذا الوضع، سيجد نفسه في حال ما إذا كان يضع بعض النقود جانبا لـ «دواير الزمان» مدعوا لسحبها من أجل العلاج، وفي حالة ما إذا كان «معدما» فهو إما سيتوجه للاقتراض أو سيمدّ يده للغير طلبا للعون والمساعدة، أو سيظل على حاله إلى أن يتدهور وضعه الصحي، خاصة في ظل طول المواعيد في المستشفيات العمومية.
مثال آخر، له صلة بموضوع الوقاية، وهذه المرة في ارتباط بسرطان الثدي، فكثير من الطفلات الصغيرات اللواتي تعانين من الجنف، أي الميلان الجانبي في العمود الفقري، يدعو بعض الأطباء الآباء والأمهات لخضوعهن لفحص بـ «الراديو» كل ستة أشهر، وهو ما يعرضهن لمستوى من الأشعة التي قد يكون لها تأثير عليهم مستقبلا، لهذا يوصي عدد من الاختصاصيين بأن يتم الفحص باعتماد جهاز متطور أقل تأثيرا من حيث منسوب الأشعة مقارنة بـ «الراديو» الشائع، لكن الفرق هو أن الأسرة يجب أن تسدد حوالي ألف درهم عند كل فحص، لن يتم استردادها من الصناديق الاجتماعية، التي تعتمد «الفحص الأدنى»، وبالتالي تكون الأسرة أمام اختيار صعب، إما له تأثير على قدرتها الشرائية وجيبها أو سيكون له تداعيات محتملة مستقبلا على صحة طفلتها؟
إن الحديث عن الوقاية لا يجب أن يكون مصطلحا استهلاكيا ولا شعارا دعائيا، بل يجب أن تواكبه خطوات صريحة، تشريعيا للتقليص من مساحات ومنسوب كل ما من شأنه أن يضر بالصحة العامة، سواء تعلق الأمر بالتلوث أو التدخين في الأماكن العمومية والمرافق المشتركة، واعتماد سياسات صحية فعلية، تتعلق بتصاميم التهيئة ووضعيات السكن، وما يهم الماء الصالح للشرب، إلى جانب توفير شروط ممارسة الرياضة «غير المكلّفة»، وصولا إلى تقليص كلفة الإنفاق الصحي، لأن أسرة واحدة إذا تطلب الوضع الصحي لفرد أو اثنين منها زيارة الطبيب والدخول لمرحلة العلاج خلال شهر واحد، فالأكيد أن أحدهما سيكتم مرضه ضدا عن إرادته، نظرا لواقع القدرة الشرائية الذي يعلمه الجميع، ومتوسط الأجور، الذي لا يمكن أن يسد احتياجات أساسية، على رأسها ما يتعلق بالصحة، وهو ما يعني استمرار حضور الأمراض ومضاعفاتها التي تكون متعددة الأبعاد!
الكاتب : وحيد مبارك - بتاريخ : 17/07/2025