بالصدى : تبرّع مع وقف التنفيذ

وحيد مبارك Wahid.abouamine@gmail.com

في أكتوبر من كل سنة، يعود النقاش من جديد حول موضوع التبرع بالأعضاء وزراعتها، إذ يشكل اليوم العالمي المخلّد في 17 من هذا الشهر، مناسبة لتسليط الضوء على ما تم تحقيقه من «إنجاز» في هذا الباب، وتتم برمجة أيام تحسيسية وقوافل طبية، محدودة في الزمان والمكان، سرعان ماتخبو شعلة رسالة الكثير منها بانصرام هذا الشهر، ليفتح الباب لبعض المحاولات المحتشمة هنا وهناك، اللهم بعض المبادرات التي تتسم بالاستمرارية والتي تكون عبارة عن خطوات نضالية أكثر منها «صحية»، من فاعلين في المجال لدقّ ناقوس الخطر بشأن أعداد الوفيات المسجّلة في صفوف مرضى الكلي والكبد والقلب وغيرها، التي يمكن لنا تفاديها لو استطعنا جميعا أن نرسخ لثقافة التبرع، التي من شأنها أن تمنح أملا جديد في الحياة لآلاف المرضى، وتسهل إعادة اندماج آخرين بفعل أعطاب طالت أعضاءهم وحكمت عليهم بأن يصبحوا عالة على أنفسهم وعلى المجتمع.
التبرع بالأعضاء يعدّ أحد الطابوهات المسكوت عنها، التي لم تتمكن مناظرات وزارة الصحة، وخطب أئمة الجمعة، ومباريات الكرة العابرة، من كسر جمودها، فالموضوع الذي تؤطره ترسانة قانونية مهمّة من خلال القانون رقم 16-98، المتميز بتكثيفه للحماية القانونية للمتبرع، والذي حسم في كل ما من شأنه التلاعب والاتجار بالأعضاء البشرية، مايزال إلى يومنا هذا يعد مصدر خوف وتوجّس، وتحيط به علامات استفهام كثيرة، شرعية بالأساس، حول أحقية الإنسان في الإقدام على هذا الفعل والتصرف في جسد هو لايخصه وليس في ملكيته وسيسأل عنه يوم القيامة، وأخرى سلوكية، مخافة تسخير الأعضاء في حالة التبرع بها لغير مستحقيها باعتماد المحسوبية والزبونية وغيرها من الممارسات «الآدمية» التي تجعل من الإقدام على خطوة التبرع محفوفة بالكثير من التشكيك؟
إنها الحقيقة المؤلمة، والتي تعكسها نقاشات الكثير من المواطنين العامة في مجالسهم المختلفة، التي تعتبر هواجس يصرحون بها علنا، ولايخفون منها شيئا، ويترجمها بعضهم في شكل أسئلة توجّه إلى بعض مؤطري ندوات علمية قد تنظم هنا أو هناك، في لحظة من اللحظات، كما هو الحال بالنسبة لإحداها التي نظمها في وقت سابق المجلس العلمي لعمالة مقاطعات ابن مسيك بالدارالبيضاء، بتعاون مع مندوبية وزارة الصحة، والتي حضرتها للوقوف على منسوب الوعي بثقافة التبرع بالأعضاء، وكيفية تفاعل الأطباء والفقهاء مع الموضوع، فتبيّن على أنه ليست الأسئلة وحدها التي تحتاج إلى أجوبة، بل أن من يقدّمونها هم أيضا مدعوون إلى صياغة تصور موحد يتم تبنيه والدفاع عنه رفعا لكل غموض، بالنظر إلى أن أجوبة عضو المجلس العلمي آنذاك، ساهمت في خلق لبس، إن لم تكن قد قدّمت توجيها، تلميحا لا تصريحا، بعدم جواز إتيان فعل التبرع، وهو ماجعل المتتبعين يقفون على بون شاسع من الاختلاف بين الطبيب والفقيه على مستوى تعاطيهما للموضوع.
إن السجال بين ما هو شرعي وما هو طبي علمي بشأن التبرع بالأعضاء سيتواصل، وإن سبقتنا دول إسلامية في إصدار فتاوى تجيز هذه الخطوة، وسيستمر بغض النظر عن موقف مؤسساتنا الرسمية التي دعت بدورها إلى ذلك، ما دام النقاش هو غير مؤسس على قواعد سليمة، ولايجد صداه في الأسرة، والمدرسة، وفي الإعلام، ولا يتم تناوله إلا مناسباتيا، وهو ما يتعيّن معه إعادة النظر في زاوية التعاطي مع هذا الموضوع وأشكال معالجته. إلا أنه وفي انتظار ذلك فإننا لايمكن أن نغفل حقيقة تتمثل في أن حوالي 25 ألف مغربي يعانون من الفشل الكلوي وهم في حاجة لزراعة كلية لأنهم يخضعون لحصص «الدياليز»، دون احتساب الذين هم في حاجة إلى قلب، أو للكبد أو لأعضاء أخرى، في وقت لا يتجاوز عدد الأشخاص الذين عبّروا عن نيتهم في التبرع بعد وفاتهم 1500  شخص على أقصى تقدير، وهو رقم يبرز شحّا تتحكم فيه خلفيات متعددة، تفرمل إقدام المواطنين على هذه الخطوة الشخصية، المحكومة بموافقة أسرية، ويؤشر على أن عبء المراضة سيتواصل شأنه في ذلك شان ألم الفراق المبكر الذي لن ينتهي، مادام التبرع بالأعضاء قد تكون فكرته المبدئية حاضرة لكنها تظل موقوفة التنفيذ!

الكاتب : وحيد مبارك Wahid.abouamine@gmail.com - بتاريخ : 12/10/2017