بالصدى : تعريفة «رجعية»

وحيد مبارك

الولوج إلى العلاج هو بكل تأكيد ليس في متناول جميع المواطنين، بالقرى والمداشر والمناطق النائية التي تفتقد للبنية التحتية الاستشفائية، أو التي تعاني فقرا وخصاصا في حال توفرها، في الموارد البشرية واللوجستيكية، مما يتعذر معه ضمان انتظام العيادة الطبية إن لم يكن انعدامها، وكذلك الأمر بالنسبة للمدن المتوسطة والكبرى، حيث توجد المرافق الصحية بشكل متفاوت، لكن تأدية المستحقات المادية للاستفادة من خدماتها يحول دون ذلك، سيّما حين يصطدم المرضى الذين يعانون من العوز بالمواعيد الطويلة، وبأجهزة الكشف المعطّلة، وبنفاد المفاعلات المخبرية، وغيرها من المعيقات، التي تنعكس تبعاتها على صحة المواطن المغربي، فيتطلب منهم الأمر الاتجاه صوب القطاع الخاص، وهي الخطوة التي تكون مستعصية عليهم، فيضطر بعضهم للصبر على أمراضهم، ويُجبر آخرون على الاقتراض، أو بيع ما ملكت أيديهم بحثا عن التطبيب!
تسعيرة العلاج في المغرب، هي تطرح أكثر من علامة استفهام، وتشكّل تحدّيا كبيرا للصحة، بالنظر إلى أنه منذ 2006 لم يتم فتح هذا الورش ولم يتم التعاطي معه بشكل جدّي من أجل إعادة النظر في التعريفة المرجعية الوطنية، التي تم اعتمادها بهدف إنجاح ورش التغطية الصحية الإجبارية، تحت إشراف الوكالة الوطنية للتامين الصحي، وتم التوقيع على اتفاقيتها من طرف جملة المتدخلين، من أطباء وصناديق للتأمين «كنوبس والصندوق الوطني للضمان الاجتماعي»، على أن يتم تعديل مضمونها بالرفع من قيمتها كل 3 سنوات، لكن وخلافا لذلك ظلّت جامدة على حالتها تلك، وبين الفينة والأخرى ترتفع أصوات الأطباء، لا المؤمّنين المعنيين، للمطالبة بتغييرها، لكونهم يرون بأنها مجحفة لهم، لأنها لاتعوّض عددا من الخدمات الطبية التعويض الذي تستحقّه، ولأن المواطن المؤمّن، هو في نهاية المطاف يؤدي نسبة 54 في المئة من مجموع نفقات العلاج عوضا عن صناديق التأمين التي يتعيّن عليها أن تتحمّل هذا الوزر المادي، رغم توفره على التأمين الصحي؟
ولتسليط الضوء على بعض الفوارق التي يؤدي المواطن المؤمّن المعني باتفاقية التعريفة المرجعية تبعاتها، يكفي أن نعلم بأن تسعيرة الفحص التي تحددها هذه الاتفاقية عند الطبيب العام، هي محدّدة في 80 درهم، مقابل 150 درهم للطبيب المختص، وعليه فإن المريض عندما يزور طبيبا عاما، فإنه يحصل على تعويض لايتجاوز 64 درهما، و 120 درهما عند عيادة الطبيب الاختصاصي، والحال أن مايؤديه المواطن للطبيب العام مقابل الفحص هو يفوق 80 درهما، ونفس الأمر بالنسبة للطبيب المختص، إذ يكون المريض مطالبا بتسديد مبلغ 250 درهم كحدّ أدنى، وترتفع التسعيرة بحسب أسماء الأطباء، ومواقع عياداتهم، وطبيعة الفحص والمعدات الطبية المستعملة في ذلك، وغيرها من التفاصيل الأخرى التي تجعل المواطن المريض المغلوب على أمره يتحمل القسط الأكبر من مصاريف العلاج، مقارنة مع مايسترده من تعويضات، هي بعيدة كل البعد عن الواقع الحقيقي لكلفة التطبيب؟
واقع، لاتتوقف تفاصيله عند حدود تسعيرة فحص الطبيب، وإنما تمتد لتشمل خدمات طبية أخرى مختلفة، حالها يختلف عما هو مدبّج في الاتفاقية، إذ يتم تعويض المؤمن إذا ما خضع لفحص بجهاز السكانير بمبلغ 800 درهم، على أساس أن التعريفة الوطنية المرجعية محددة في ألف درهم، والحال أنه يتم تسديد مبلغ آخر للاستفادة من خدمات هذه الأشعة المشخًّصة للاعتلالات الصحية، ونفس الأمر يسري كذلك على إزالة المياه البيضاء «الجلالة»، وعلى الولادة القيصرية، وعلى زيارة طبيب القلب المختص والاستفادة من التخطيط القلب، وعلى غيرها في العديد من مجالات التدخل الطبية، البعيدة تسعيرتها بعدا شاسعا عن واقع التعويضات عن المصاريف التي يتم إرجاعها، والتي يئن تحت وطأتها المواطن المؤمن، فبالأحرى من لاتغطية صحية له، ولايجد سبيلا للعلاج بالمستشفى العمومي الذي يعاني الخصاص في الموارد البشرية واللوجستيكية، مما يدفعه إلى بيع أغراضه الخاصة، والاقتراض، والتسول، لتدبر مصاريف علاج أزمة صحية، أو التعايش معها إلى أن يقضي الله أمرا كان مفعولا.
إن التعريفة المرجعية الوطنية بكيفيتها الحالية لم تعد مقبولة، ففيها تبخيس للخدمات الطبية المقدمة، وإثقال لكاهل المواطن بتحميله الفوارق المادية، وهو الذي يلج بعض العيادات والمصحات التي لاتكلّف نفسها عناء إشهار ورقة توضح للمرضى الذين يزورونها مدى تطبيقهم للتعريفة المرجعية الوطنية للمستفيدين من التغطية الصحية الإجبارية من عدمه، مما يعتبر نوعا من التضليل، من طرف القائمين على هذه المرافق الصحية، ومن قبل كل من له مصلحة في أن يترك ذلك المواطن/المريض وسط دوامة من التيه المضرّة به والمربحة للغير؟

الكاتب : وحيد مبارك - بتاريخ : 25/01/2018