بالصدى : حراسة «معطوبة» ودراهم معدودة !

وحيد مبارك

بعض الأرقام، هي عنوان على الحسرة والألم، وعلى ترسيخ الفوارق غير المستساغة، كما هو الحال بالنسبة للدراهم المعدودة التي يتقاضاها الأطباء، اختصاصيون وعامون، والممرضون، كتعويض عن ساعات الحراسة والمناوبة التي يقضونها بالمستشفيات العمومية، رغبة في إنقاذ من يمكن إنقاذه، وإسعاف من في حاجة لذلك، والتخفيف من أوجاع وآلام المرضى، بالرغم من الإكراهات المتعددة والتي هي بالجملة، بشرية كانت أو لوجستيكية، والتي يزيد من تعميق حدّتها الطلب المتزايد على الخدمات الصحية بالمؤسسات الاستشفائية، على علاّتها، سيّما بالنسبة للحاصلين على بطاقة المساعدة الطبية «راميد،»، وإن كانت في غالب الأحيان لاتخول إلا فحصا من طرف الطبيب، أما المستلزمات الطبية، والدواء، والتحاليل وغيرها من الخدمات الطبية فهي تبقى على عاتق المرضى!
دراهم لاتتجاوز عدد أصابع الكفّ الواحدة بالنسبة للأطباء المختصين، عن كل ساعة عمل، من مجموع ساعات الوحدة التي يحددها القانون في 16 ساعة ونصف، التي يجب ألا يتم تجاوزها، شأنها في ذلك شأن عدد الوحدات التي يجب ألا يتجاوز عددها 20 وحدة في الشهر، وهو المبلغ الذي يصل عند تجميع الساعات إلى 64 درهما، الذي يجب اقتطاع الضريبة عن القيمة المضافة منه، أما الأطباء العامون والممرضون، فالمبلغ الذي يتوصلون به عن كل وحدة، بنفس عدد ساعات العمل، لايتجاوز 46 درهما، هذا التعويض الذي يتسلمه الممرض بعد سنوات التمدرس والعمل، وكذا الطبيب العام الذي يدرس 7 سنوات فوق الباكلوريا دون احتساب فترة الداخلية، إلى جانب الطبيب المختص بعد 12 سنة من الدراسة مابعد الباكلوريا في الحدّ الأدنى، والأدهى من كل هذا وذاك، أنه على الرغم من هزالة هذه التعويضات فإنه لايتم صرفها، إذ أن الأطباء والممرضين لم يتوصلوا بها منذ يناير من سنة 2016 إلى يومنا هذا، بل إن هناك من لم يتوصل بها منذ 2007 ، كما هو الحال بالنسبة لبعضهم على مستوى مركز تشخيص داء السل لمولاي رشيد بالدارالبيضاء؟
الحديث عن الحراسة والمناوبة، التي تنطلق ابتداء من الرابعة والنصف زوالا، لايرتبط منسوب الألم فيه بقيمة التعويض وعدم صرفه فحسب، بل يشمل تفاصيل أخرى، لايعلمها الكثير من الناس، والتي يحكيها الأطباء بمرارة، خاصة الطبيبات اللواتي يتعين عليهن الامتثال للاتصال الهاتفي الوارد من المستشفى في أجل أقصاه 20 دقيقة، في أي نقطة كنّ يتواجدن سكنيا، وفي أي ساعة من الليل، أتوفّرت لهن وسيلة نقل أم لم تتوفر، علما بأن التعويض المادي المتحدث عنه لن يلبي حتى نفقات البنزين أو سيارات الأجرة، فضلا عن المخاطر المتعددة التي قد يكون مهنيو الصحة المعنيون بالحراسة والمناوبة عرضة لها. طبيبات منهن المتزوجات بأطباء يتواجدون بمدن أخرى، ويتعين عليهن لتلبية نداء الواجب ترك رضعهن وأطفالهن مع مربيات، مع مايعني ذلك من مصاريف، مجبرات على الانتقال إلى المستشفى بأي وسيلة كانت. وهنا يُطرح سؤال عريض عن الجدوى من سيارات الخدمة التي قد تكون موضوعة رهن كل تصرف غير ذي جدوى مهنيا، وعن عدم العمل بنظام الإقامة بالنظر لعدم وفرة العدد الكافي للأطباء، عوضا عن التردد على المستشفى في الليلة الواحدة لأكثر من مرة واحدة في بعض الحالات، سيّما الحرجة، في غياب فضاء للاستراحة، وعدم توفر المأكل، هؤلاء المهنيون الذين يتعيّن عليهم التواصل بهاتفهم الخاص، مع باقي المتدخلين بشأن الحالات المرضية، في ظل عدم تمكينهم من «خطوط» في إطار «الشبكة البينية»، وتتعاظم الأسئلة لتشمل منح السكن الوظيفي بكيفية غير قانونية لمجموعة من الأشخاص، والحال أن القانون يحدد المستفيدين في المدراء والحراس العامين، وكان من الممكن أن يكون هناك اجتهاد في باب البحث عن حلول للخصاص والقرب من المرضى؛ ويكفي أن نسوق مثالا واحدا عن المساكن الوظيفية للوقوف على حجم الفوضى، والمتعلق بأحد المتقاعدين الذي صدر حكم قضائي ضده لكي يخلي السكن الوظيفي الذي ظل يستفيد منه على مستوى الحي المحمدي بالدارالبيضاء، فتم اعتماد «تخريجة» عبر تمريره لابنته الممرضة المعيّنة بمستشفى الحسني الحاصلة على تفرغ نقابي من إحدى النقابات منذ أكثر من 10 سنوات، وهو موضوع سنعود إليه لاحقا؛ ودون إغفال انعدام وسائل العمل، وفي ظل غياب إرشادات صحية مضبوطة عن طبيعة المرض والمريض، علما بأنه في 80 في المئة من الحالات ينتقل الطبيب ليقوم بإحالة المريض على المستشفى الجامعي ابن رشد نظرا للخصاص المهول في الإمكانيات، مع استحضار معطى آخر وهو السعي لجلب الطبيب باعتماد سند غير قانوني، كما هو الشأن بالنسبة للأقطاب، للقيام بالحراسة بمولاي يوسف مثلا طيلة ليلة كاملة، وفي الصباح الموالي يجب أن يكون متواجدا بمستشفى دار بوعزة، في غياب تنسيق بشأن الحالة الصحية للمريض الذي قد يكون عرضة للمضاعفات، والطبيب لتبعات أخرى قانونية!
هي اختلالات بالجملة، تعيشها الحراسة والمناوبة التي تعدّ أحد أعطاب المنظومة الصحية التي يتعين العمل على معالجتها بكيفية جادة بعيدا عن لغة الاستهلاك، واعتماد الإنصاف في التعامل مع مهنيي الصحة، أطباء وممرضين، الذين يعيش الشرفاء منهم، إناثا وذكورا، الإرهاصات المستمرة، والعنف المادي والمعنوي بالليل كما بالنهار، والجحود من الوزارة الوصية، التي لاتتدخل لصرف تعويضاتهم بالرغم من هزالتها؟

الكاتب : وحيد مبارك - بتاريخ : 10/07/2017