بالصدى : درس صحي عبر القطار

وحيد مبارك Wahid.abouamine@gmail.com
تتبّع عدد كبير من المواطنات والمواطنين، من رواد مواقع التواصل الاجتماعي، ومتتبعي المواقع الإلكترونية، نهاية الأسبوع الفارط تفاصيل شريط فيديو تم تداوله على نطاق واسع، يتعلّق بممرضة، والذي شكّل نقطة ضوء في بحر من التسجيلات/الأشرطة السوداء التي تستهدف هذه الفئة من مهنيي الصحة. شريط وثّق لتدخل ممرضة على متن قطار عملت على إسعاف سيدة حامل جاءها المخاض على حين غرّة، وأمام آلامها وأنينها، انتقلت هذه المواطنة بطلب من بعض الشبان دون علمهم بكونها تنتمي إلى مهنيي الصحة، لتتفقد حال السيدة وتؤازرها في محنتها، ولترى كيف يمكنها أن تقدّم لها المساعدة، في بعدها اليسير، لكنها وقفت على وضع غير سليم، يهدد صحة الحامل وحياتها، كما يهدد جنينها الذين كان مصرا على مغادرة الرحم واكتشاف ماتحبل به هذه الدنيا، فما كان منها إلا أن شمّرت على ساعديها وفضّلت عدم الوقوف مكتوفة الأيدي، وانخرطت في عملية التوليد، في ظروف ليست بالهيّنة، وبما توفر من مواد تبرّع بها الركاب، غير عابئة بما يمكن أن يترتّب عن خطوتها تلك، وهو ما ساهم في ولادة الطفل وفي تعميم حالة من الفرح والغبطة في صفوف جميع من تواجدوا في القطار، الذين عبّروا عن بعد تآزري تضامني، بات من المشاهد القليلة في مجتمعنا، الذي كانت مثل هذه اللحظات هي الغالبة على يومياته.
الشريط جاء معاكسا لمدّ من الأشرطة التي استهدفت عددا ليس بالهيّن من مهنيي الصحة، من أطباء وممرضين، بعضها تضمن تظلّمات لمواطنين طولبوا بتقديم مبالغ مالية من طرف «قابلات» حتى يشرفن على ولادة زوجاتهن، أو تغلقن الأبواب في وجوههن في حالة عدم الامتثال، وأخرى اتهمت بل وثقت لأطباء وهم يساومون مرضى للحصول على شواهد طبّية، وغيرها كثير من التفاصيل المؤلمة المرتبطة بالشأن الصحي والتي تدلّ على خيبات وانكاسات بل ووصمة عار في جبين القطاع ومهنييه، إلى جانب أشرطة ادعى مروّجوها أنهم أصحاب الحقّ دون استيعاب لموقف هذا الممرض أو تلك، كما هو الشأن بالنسبة لشريط التلقيح، فيتبيّن في نهاية المطاف أنها ونتيجة لعدم فهم واستيعاب تسببت في ظلم كبير وحيف بالغ اتجاه هذا الممرض أو الممرضة.
إن واقعة قطار وجدة الذي كان متجها صوب الرباط، وثقت للجانب المشرق في مهنة الطب بشكل عام، وأعادت الاعتبار لفئة الممرضات والممرضين بشكل عام، و»القابلات» على وجه التحديد، هذه الفئة التي منها من يُعتدى عليه جورا وهو يؤدي مهامه، في ظل خصاص مهول وانعدام للإمكانيات بالمستشفيات والمراكز الصحية، ويطالبون ببذل «المجهود»، ومنها من يتعرّض لحادثة سير، تتسبب له في عاهة مستديمة أو يفارق على إثرها الحياة، حين انتقاله لإسعاف سكان المناطق المعزولة خلال فترات البرد القارس، أو لمؤازرة مريض أثناء نقله على متن سيارة إسعاف هي في أمسّ الحاجة إلى من يسعفها، لتقادمها وتهالكها، حتى باتت عنوانا مفتوحا على كل أشكال الخطر؟
هؤلاء الممرضون والممرضات، الأطباء والطبيبات، العاملون في المجال الصحي من مختلف مواقعهم، الذين في حاجة إلى أن نشكر الشرفاء منهم، وأن نعبّر لكل من يؤدي واجبه بمنتهى الأمانة وبتفانٍ مطلق عن عميق الامتنان والتقدير، وان نقف احتراما لهم، وهم يستقبلون المريض بما يليق به ويعاملونه بكل إنسانية واحترام، لتمكينه من حقّه، حتى وإن كانت هم أنفسهم حقوقهم مهضومة. نحن في حاجة ماسّة اليوم، أكثر من أي وقت مضى، إلى أن نعمّم صورة ممرضة القطار، وغيرها من الصور الإيجابية، وأن نفتخر بها في كل محفل، وان نعمل جميعا على إعادة تصحيح العلاقة بين المواطن ومهنيي الصحة التي تأزمت بسبب الخطابات الرسمية لمسؤولين وسعوا الشرخ وعمّقوا الهوة وأفقروا القطاع، هذه الصورة التي تلطّخت والتي يمكن بمثل هذا النوع من التدخلات من تنظيفها وإعادة الوهج إليها، وهم أمر ليس بالعسير متى توفرت الإرادة الصادقة، ومتى آمن كل طرف بحقوقه والواجبات التي عليه.
الكاتب : وحيد مبارك Wahid.abouamine@gmail.com - بتاريخ : 07/12/2017