بالصدى : روزامور .. مراكش 2024 .. والسلامة المهنية

وحيد مبارك Wahid.abouamine@gmail.com

 
خلال شهر أبريل الفارط، وتحديدا يوم الخميس 26، تكون قد مرّت على فاجعة «روزامور» 10 سنوات، تلك الحادثة الأليمة التي شهدها تراب مقاطعة الحي الحسني بالدارالبيضاء، والتي فارق الحياة على إثرها 55 عاملا وعاملة، منهم من قضى احتراقا ومن مات اختناقا، بعضهم خلّف وراءه أرملة، ومنهم من ترك يتامى، وآخرون غادروا دون سابق إشعار مخلّفين غصة في الحلق والقلب ومرارة غير قابلة للتجرع لحدّ الساعة. فاجعة، كشفت وبعمق حجم الاختلالات الكبرى التي تعرفها عدد من المعامل والوحدات الصناعية، العلنية منها والسرّية، التي تنعدم في بعضها كل الشروط القانونية والمواصفات المهنية المطلوبة للحفاظ على أمن وسلامة العاملين بها والمرتادين لها، في حين يتفاوت حضورها في أخرى، أخذا بعين الاعتبار أن الأرقام التقريبية تؤكد على أنه سنويا في المغرب يتم تسجيل حوادث للشغل داخل الفضاءات المهنية، مفتوحة كانت أو مغلوقة، تقدّر بحوالي 80 ألف حادثة، ما بين 20 و 30 ألف منها هي تتّسم بالخطورة؟
واقعة مؤلمة، لم تكن الأخيرة، رغم كل التدابير التي تم الإعلان على أنه سيتم القيام بها، والتفاعلات التي تلتها، والضجة/الرجّة التي قامت ولم تقعد حينها، بشأن مسؤولية، ليس صاحب المصنع لوحده، وإنما كذلك باقي المتدخلين والمسؤولين من مختلف المواقع، ومصالح المراقبة والتتبع وغيرها، فتم تشكيل لجنة وزارية من أجل المساهمة في الوقاية من الأخطار والحرص على السلامة بوحدات الصناعة والخدمات، تلاها إحداث معهد وطني لظروف الحياة المهنية، أوكلت له مهمة تفعيل الاستراتيجية الوطنية للصحة والسلامة المهنية، لكنه ظل وبكل أسف معهدا بدون صوت، وافتقد للنجاعة، إذ لم يتمكن سوى من برمجة حملة تواصلية يتيمة بعد 4 سنوات من إحداثه، أي خلال سنة 2014، وبعدها عاد إلى سباته، وأُقبر المرصد الذي قيل أنه سيتم إحداثه، شأنه في ذلك شأن كل البرامج التي كان من المفروض أن يباشرها، كما هو الحال بالنسبة للمخطط الوطني للصحة في العمل المرتبط ببرامج قطاعية والذي حدد له فترة 2014 – 2017، الأمر الذي طرح وما يزال جملة من علامات الاستفهام عن أسباب فرملة عجلة هذا المعهد وتجميده، خاصة وأنه لحدّ الساعة هو بدون فريق مسيّر منذ انعقاد آخر مجلس إداري له سنة 2015؟
مناسبة استحضار «روزامور» في ذكرى ضحاياها العاشرة، والحديث عن المعهد المجمّد لظروف الحياة المهنية، ليس هو وقوع حوادث أخرى كالحريق الذي عرفته شركة «لابروفان» نموذجا، أو الحريق الأخير بحي لاجيروند بمدرسة للفندقة، وغيرهما كثير من الحوادث، أو استمرار حضور معامل سرية في قلب التجمعات السكنية الحديثة، أو مواصلة اشتغال ورشات حرفية وصناعية في أحياء مخصصة للسكن فحسب، وإنما شرط الاستحضار هذا أملاه تمكّن المغرب من انتزاع تنظيم مؤتمر دولي حول طب الشغل من كندا والهند والتايلاند، خلال آخر مؤتمر احتضنته دبلن الإيرلندية، إذ فاز المغرب بشرف تنظيم هذا المحفل الذي يشارك فيه أزيد من 100 بلد وأكثر من 3 آلاف مشارك في مراكش خلال سنة 2024، وهو مايجعلنا بعيدا عن نشوة التتويج، وفخر الإنجاز، وهو أمر مشروع يحق لكل من كان وراءه أن يفتخر ويعتز بمساهمته في تحقيقه، نؤكد على أن هذا الحدث لا يجب أن يكون عابرا ومؤتمر شكليا على غرار عدد من المناظرات والملتقيات التي احتضنتها بلادنا، فقد بات لزاما على الحكومة بمختلف مكوناتها المعنية بهذا القطاع، أن تنخرط جدّيا لتقديم صورة مغايرة للصحة المهنية، خلافا لتلك القاتمة التي هي عليها اليوم، فلم يعد مستساغا، على سبيل المثال لا الحصر، أن يتوفر المغرب على 3 أساتذة فقط، يشرفون على تكوين أطباء الشغل على امتداد كليات الطب على الصعيد الوطني، هؤلاء الأطباء الذين يعدّ رقمهم ضئيلا جدا مقارنة بحجم الحوادث المسجلة، وبعدد الوحدات المنتشرة هنا وهناك!
إن الحفاظ على أرواح وسلامة وصحة المستخدمين والأجراء والموظفين في كل فضاءات العمل هي أولوية وليست مجرد كمالية من الكماليات، والحرص على تطبيق بنود مدونة الشغل يجب أن يعرف صرامة أكبر ومراقبة أكثر، وهنا يكفي استحضار رقم تم تداوله في وقت سابق، والذي يشير إلى أن 25 في المئة فقط من المقاولات التي تشغل أكثر من 50 أجير، هي تتوفر على مصلحة مستقلة لطب الشغل، ورقم آخر أكّد أن 17 في المئة فقط من المقاولات تتوفر على لجنة للصحة والسلامة المهنية من بين 140 ألف مقاولة أو أكثر، لأخذ فكرة بسيطة عن حجم وعمق الاختلالات التي لم يعد مقبولا التعايش معها، والاستفاقة بين الفينة والأخرى على كارثة من الكوارث المأساوية.

الكاتب : وحيد مبارك Wahid.abouamine@gmail.com - بتاريخ : 24/05/2018