بالصدى: «سيتكوم» الصوفي!

وحيد مبارك
في خطوة غير منتظرة، وبعيدا عما هو مسطّر ومبرمج، تتبعنا بعضا من كواليس تصوير السلسلة الجديدة التي يخرجها الممثل والمخرج المغربي ادريس الروخ، التي سيطلّ علينا بها من خلال الشاشة الصغيرة في شهر رمضان المقبل، الذي لاتفصلنا عنه إلا بضعة أشهر. تتبع لم يكن من خلال عرض ما قبل الأول، أو من خلال وصلة إشهارية ترويجية لهذا العمل، وإنما تناهت إلينا أطواره بالصدفة غير السارّة، عقب مشادة شهد تفاصيلها مستشفى مولاي يوسف «الصوفي» الذي كان مسرحا للتصوير ولمواجهة بين إداريين ومهنيين بهذه المؤسسة الصحية العمومية والمخرج وطاقمه، في مشهد غير «فني/صحي»، لفظا وربما فعلا، وفقا لتبادل الاتهامات بين الطرفين، ذكّرنا بـ «سيتكومات» لم تكن تجد قبولا لدى متتبعيها، فُرضت علينا قسرا من خلال الشاشة الصغيرة في وقت من الأوقات، وجعلنا بالمقابل نستحضر كذلك «رداءة» نعاينها أو تصلنا أخبارها بين الفينة والأخرى، موثقة بالصوت والصورة، وليس فقط عن إفادات وشهادات كلامية لمتضررين، عن بعض الممارسات داخل مستشفيات عمومية، امتُهنت فيها كرامة المواطن، واحتقر فيها مرضى، بل وتم ابتزازهم، وما إلى ذلك من سلوكات شائنة، دون إغفال تلك الصور الأخرى التي كان الطبيب والممرض والإداري فيها، يتعرضون لكل أشكال الإهانة اللفظية والبدنية!
هكذا أريد لنا، من خلال التصادم الذي وقع، بعيدا عن المذنب وعن الضحية، أن نستحضر مرة أخرى صورة مستشفياتنا، التي حتى في الأفلام وربما في الأحلام، لم ولن نستطيع أن نكوّن عنها صورة مثالية، تبعث على الارتياح والاطمئنان. صورة بالرغم من مجهودات المهنيين الشرفاء، تظل قاتمة عنوانها السواد، في ظل التصاق عدد من الشوائب بها، ويكفي أن نزور هذا المستشفى أو ذاك لنقف على حجم الآلام والمعاناة المتعددة الأوجه، ونعاين صراخا، عويلا، دموعا، وأجسادا مرمية هنا وهناك، لاتجد سبيلا للعلاج، بينما بالضفة الأخرى، يقف مهنيون بعضهم مغلوب على أمره، والبعض الآخر غير عابئ بما يقع أو يتحيّن الفرص لغاية من الغايات!
مشاهد لم يصورها مخرج، لم تنقلها لنا كاميراته ولاشهادته عقب مايقول إنه تعرّض له، ولم «ترفضها» أطر طبية وإدارية، التي انتفضت لرفض ما ادعت أنه اعتداء طال طبيبة، وطالت تبعاته وسائل العمل التي أصاب بعضها التلف، جراء انقطاع التيار الكهربائي، وهي عبارة عن حواسيب وغيرها، علما بأن هناك من الأجهزة ما هو عاطل، وما هو معطّل، الذي له أهمية قصوى من أجل التخفيف من آلام المرضى وتشخيص عللهم وعلاجهم، في مستشفيات عديدة، ولا يتم الحديث عنها من باب تبرئة الذمة، اللهم بعض الاستثناءات التي تؤكد لنا أن هناك ضميرا صحوا حاضرا بيننا، يرفض الظلم ويصر على أن يشهد الجميع بين الفينة والأخرى.
لقطات «الرعب» هاته، لم نعاينها في شريط سينمائي أو تلفزيوني، وإنما عشناها ونعيشها في واقعنا اليومي، وعند كل حادثة تقع ننتظر كيف ستؤول نهايتها، أو لنقل كيف تم إخراجها، ونتمنى في كل لحظة أن يتم القطع معها، لكنها بكل أسف تصر على أن تخدش نظرنا مرات ومرات، فالإخراج السيئ للقطاتها يسمح بكل تأكيد بتكرارها، شأنها في ذلك شأن «سيتكومات» غير جادة وغير هادفة، التي تفتقد للجودة في المضمون والأداء ولاتحترم ذلك المشاهد، ولعلّ «سيتكوم» مستشفى «الصوفي» أحدها، لأن جميع من تواجدوا هناك، من الفريقين، هم مدعوون إلى أن يقدموا لنا صورة مغايرة لتلك التي أجبرنا على تتبعها، صورة عن الفنان المغربي الذي يحمل هموم وقضايا الوطن والمواطنين ويحترم غيره، والطبيب والممرض والإداري، الذي يتعين عليه أن يحمل نفس الهموم لخدمة المواطنين ويسهّل مطلب الجميع متى كان حقا، كل من موقعه، وأن يكون الاحترام هو العملة السائدة المشتركة بين الجميع، لأنه لو توفر ذلك، لما تم السماح بأن تتطور تفاصيل تلك النازلة بالشكل الذي جرى، ولتم تطويق المشكل بحكمة ورصانة عوض أن يصبح ورقة للمزايدات، وللتهجم هنا وهناك، ولما فاحت «رائحة «هذا «السيتكوم ، والذي أسدل عليه الستار بإخراج تصالحي، بعد أن كان ماكان!
الكاتب : وحيد مبارك - بتاريخ : 01/03/2018