بالصدى : «سَلٌّ الأرواح

وحيد مبارك Wahid.abouamine@gmail.com

 
شهدت سنة 2017، وفاة 3 آلاف و 300 مغربي من الجنسين، فارقوا الحياة بسبب مرض السل، بعد أن نخرت جرثومة «كوخ» أجسادهم. رقم إجمالي لضحايا المرض الذي هزم كل المخططات والبرامج، التي تم تسقيفها زمنيا، خلال سنوات سابقة، أو تلك التي حددت نهايتها في 2015 و 2016 ثم 2018 أو المستمرة إلى غاية 2021، و 2035 و 2050، التي إن رفعت من حجم الكشف وتشخيص المرض، فإنها بالمقابل لم تقدم حلولا علاجية فعلية، بالنظر إلى أن المرض تتداخل فيه جملة من المحددات المختلفة، التي تبقى مبررا تُرفع ورقته أمام جسامة الأرقام لتعليل الحصيلة القاتلة للسل!
خلال سنة 2017، تمكّن المرض من سَلِّ روح أكثر من 3 آلاف مغربي من أجسادهم، أي بمعدل 275 حالة وفاة في الشهر، وهو رقم ليس بالهيّن فهو عصي على الاستيعاب، ويتعاظم الأمر أكثر حين يتبيّن بعملية حسابية أن المعدل اليومي لضحايا السل هو يقدّر بـ 9 وفيات ونصف الحالة في اليوم الواحد. مواطنون يموتون نتيجة لانتقال العدوى إليهم بشكل من الأشكال، منهم من يكون على وعي بمرضه ويلج إلى العلاج، ومنهم من يتعسّر عليه الأمر، وهناك أيضا من ينطلق في مراحل العلاج لكنه في لحظة من اللحظات وعندما يحسّ بأن وضعيته «تحسّنت»، وفقا لاعتقاده، يهجر الدواء فتترتّب عن هذه الخطوة تداعيات أكبر عندما يصيبه السل المقاوم للأدوية، الذي إذا لم يجد حصانة دوائية ومتابعة طبية حقيقية، يُحكم على المصاب به بالموت.
السل ليس بمرض عابر، محدود الانتشار، بل هو مرض معدٍ سريع الانتقال، وعوامل انتقاله هي متوفرة وبكثرة، في ظل غياب ثقافة صحية وقائية، وسكن غير لائق، تتوفر فيه كل شروط المرض من اكتظاظ ورطوبة، وغياب تهوية جيدة، وعجز أشعة الشمس عن التسلل إلى جنباته، وكذلك بفعل نمط غذائي غير صحي وغير سليم، وإدمان على التدخين بكافة أشكاله، واستهلاك للكحوليات، وتفاقم لحدة التلوث، وغيرها كثير من مسببات المرض، خاصة في التجمعات المغلقة التي تؤشر على مزيد من العدوى؟
إذا ما عدنا إلى أرقام 2017، التي لن تختلف كثيرا عن معدلات الإصابة في 2018، سنجد أن معدل الإصابة بالسل حافظ على استقراره في مناطق بالدارالبيضاء نموذجا، كآنفا ومولاي رشيد، في حين انخفض خلال السنة الفارطة بمعدل حالة واحدة لكل 100 ألف نسمة بدرب السلطان والحي الحسني، وهو انخفاض «بئيس» ويؤشر على ضعف في التشخيص والكشف عن المرض، وليس بالضرورة عنوانا على التراجع في عدد الإصابة، الذي يبقى نسبيا، مادامت أرقام انتشار المرض بست جهات في المملكة هي كارثية وضمنها الدارالبيضاء، التي يصل المعدل فيها إلى 149.73 في حين أن المعدل الوطني هو محدد في 88 حالة لكل 100 ألف نسمة، هذا في الوقت الذي تزداد فيه عوامل استفحال المرض كما هو الشأن بالنسبة لدرب السلطان، التي بلغ معدل الإصابة فيها 148.57 حالة إصابة، هذه المنطقة التي تحتضن مخيما للمهاجرين الأفارقة، حيث ينتشر المرض، وجرى تسجيل وتشخيص العديد من الحالات، ليبقى سؤال المتابعة والعلاج معلٌّقا، خاصة وأن المعنيين بالأمر هم في علاقة مباشرة مع بعضهم البعض، ومع غيرهم في بحثهم اليومي عن كسرة خبز وعن مساعدة مادية!
2575 حالة إصابة تسجّل كل شهر بمرض السل، أي أن حوالي 84 شخصا يصابون بالداء كل يوم، وهي معطيات رقمية تتطلب تأملا حقيقيا وتدبرا فعليا في واقع المرض الذي تتسع رقعة انتشاره يوما عن يوم، يتعيّن معها تسطير برامج قابلة للتفعيل وممكنة التنزيل، بإشراك القطاعات الأخرى المعنية بهذا الداء، وعدم الاقتصار على رفع شعارات كل سنة عند تخليد الحدث في 24 مارس من كل سنة، والإعلان عن إطلاق مخططات عمل بنتائج تخالف التوقعات والطموحات، خاصة وأن هناك الكثير من المعضلات التي ترخي بظلالها على يوميات المؤسسات الصحية، ولا ترتبط بأي قطاع آخر، وتتطلب توضيحات وإصلاحات، كما هو الحال بالنسبة لمجانية العلاج، هذه المجانية التي يتم الإجهاز عليها في عدد من المرافق الصحية، ويجد المريض نفسه مطالبا بتسديد مصاريف التشخيص بالأشعة والتحاليل، والحال أن هناك من يتعذر عليه توفيرها، في الوقت الذي يعيش فيه آخرون في الشارع بدون مأوى، والمرض ينخر أجسادهم في غياب أي تدخل، إلى أن يسلّ المرض أرواحهم منها سلاّ، فإلى متى ستستمر هذه الوضعية؟

الكاتب : وحيد مبارك Wahid.abouamine@gmail.com - بتاريخ : 26/03/2019