بالصدى : شجرة السلّ…
وحيد مبارك Wahid.abouamine@gmail.com
رحل وترك خلفه رسما عبارة عن وردة، غادر الدنيا وهو في الثلاثينات من عمره، استسلم في نهاية المطاف، وهو الذي قاوم وبشدة مرضه، متسلّحا بالأمل، مبتسما في وجه آلامه ووجوه المحيطين به، ابتسامة طالما عبّرت عن قوة، عن عزيمة كبيرة، كان المتلقون لها يعتقدون أنها عنوان على الانتصار على المرض، والحال أنه كان ينخر رئته نخرا، ويعيث في الجسم مرضا، ويفرمل كل تنفس، إلى أن قضى الله أمرا كان مفعولا.
إنها النهاية الحزينة لأحمد، بمستشفى 20 غشت بالدارالبيضاء، هذا الشاب الذي كان يعاني من مرض السل المقاوم للأدوية، الذي فقد أفرادا من أسرته بسبب هذا المرض، واضطر لمقاطعة قريبة له رأفة بأبنائها وخوفا من انتقال العدوى إليهم. شاب مكث بهذه المؤسسة الصحية العمومية لمدة ليست بالهيّنة، التي اعتقد أنه سيغادرها واقفا على قدميه، لكن شاءت الأقدار أن يرحل عنها وهو جثة بدون روح، بعدما عجز العلاج الأوليّ عن تمكينه من الشفاء، وظل ينتظر علاجا متطورا، لم يكن آنذاك متوفرا، ولما أضحى موجودا كان الوقت قد فات.
حالة أحمد، ليست الوحيدة، بالنظر إلى أن المصلحة المختصة بمستشفى 20 غشت شهدت وفاة شابة أخرى، في مقتبل العمر، لم يمهلها السل طويلا، وغادرت المصلحة سريعا، لكون حالتها كانت مستعصية، والعلاج الذي كان من الممكن أن ينقذها، لم يكن متوفرا، شأنها في ذلك شأن «صاحب الوردة» التي أهداها لطبيبتين، ودبّجها عبارة «مادامت هناك حياة حافظوا على مزاج جيد»، وشأن ضحايا آخرين، بلغ عددهم 5 ضحايا، قضوا كلهم بمصلحة الأمراض التنفسية في هذا المستشفى، التي تحوّلت إلى «مقبرة» عوض أن تكون مصلحة علاجية، رغم المجهودات التي يبذلها العاملون بها، الذين تتقطّع قلوبهم ألما وهم يعاينون حالات لفراق اضطراري أمام أعينهم دون أن يتمكنوا من إنقاذهم!
إنها حقيقة مرض السل، الذي ، وبكل تأكيد، تتدخل في استمرار انتشار معدلاته، وفتكه بضحاياه محددات أخرى، صحية، اقتصادية واجتماعية، لكن هذا لايلغي، وبكل أسف، أن التعاطي مع هذا المرض الخطير لايتجاوز مسطرة الإحصاء، بتسجيل عدد الحالات الجديدة خلال كل سنة، التي تقدر بحوالي 36 ألف حالة مرضية، وعدد الوفيات التي بات معدّلها السنوي محدّدا في حوالي 3300 وفاة، ويقف عند حدود حملات موسمية مناسباتية، خاصة تلك التي تتزامن وتخليد اليوم العالمي للداء، باستثناء بعض المجهودات المعدودة على رؤوس الأصابع هنا وهناك، مما يؤكد فقرا تفاعليا مع المرض الذي يهزم جل المخططات والبرامج المتعلقة به، التي يتم التلويح بها في كل «مناسبة مرضية»؟
السل، شجرة تخفي غابة من المعاناة والآلام، لاتوليه بعض القطاعات المعنية الأهمية التي يستحقها، رغم أنه يفتك بالأرواح سنة تلو أخرى، ويحصد شبابا وشيبا، بل وحتى الخطوات التي تم القيام بها لمحاربته، لاتتواصل لتحقيق مبتغاها، كما هو الشأن بالنسبة للعلبة الرقمية التي تمكّن من معرفة ما إذا تناول المريض دواءه بكيفية منتظمة من عدمه، هذا المشروع الذي بات في الدارالبيضاء محكوما بالإعدام بسبب غياب التمويل، ونتيجة لضعف الموارد البشرية المعدودة على رؤوس الأصابع، بالنظر إلى أن نجاعة هذا البرنامج تكمن في انتقال فريق مختص لمنزل المريض فور التأكد من التوقف عن استعمال الدواء لتصحيح الوضع، وتجنيب المريض مضاعفاته التي قد تتطور إلى سل مقاوم للأدوية، وقد يؤدي به ذلك إلى الوفاة، لنكون أمام ما يمكن أن نصفه بنهاية مسار صحي، بات محكوما بالإعدام، كما هو الحال بالنسبة للعديد من البرامج التي كانت نهايتها مخالفة لمضمون وصلاتها الترويجية في البداية!
غابة من الأسئلة الشائكة المرتبطة بهذا المرض القاتل، الذي رغم المخططات والبرامج، وضدا على التمويلات، يصر على أن يظل جاثما على الصدور، وهو مايفرض علينا، من الزاوية الصحية، على الأقل، أن نقف على ما الذي تم تحقيقه فعلا لا قولا، في مواجهة مرض حوّل موقع «ريادته» خلال السنة الفارطة من الدارالبيضاء صوب طنجة، وإن كانت العاصمة الاقتصادية تسجل احتضان حوالي 26 في المئة من مجموع المصابين على الصعيد الوطني، إلى جانب مابين 35 و 40 في المئة من حالات السل المقاوم للأدوية، فواقع المؤسسات الصحية يطرح أكثر من علامة استفهام، بالنظر إلى أن عددا من المرضى بالسل هم يترددون على مراكز صحية من نفس البوابة والممرات إلى جانب الحوامل والأطفال والمرضى بعلل أخرى، ونفس الأمر تعيشه المستشفيات التي يعالج فيها مرضى السل إلى جانب آخرين، مما يساهم في ارتفاع معدلات انتقال العدوى وانتشار المرض عوض كبح جماحه، كما تفتقد عدد من المراكز المختصة لوسائل العمل، رغم المساعدات المخصصة لهذا الموضوع. ويبقى العطب الأكبر ممثلا في الموارد البشرية التي تقلًّصت بشكل كبير، مما يزيد من ثقل العبء على الممرضين المتواجدين الذين باتوا مطالبين بالقيام بعدد كبير من المهام، الأمر الذي لم يعد يسمح لهم بالتعامل مع مرضى السل بالكيفية المطلوبة، دون إغفال التدبير الارتجالي الذي جعل مرافق معينة تعيش الجمود، هذا في الوقت الذي تجد بعض الجمعيات التي تعرض مساعدتها لربط الصلة بالمرضى المنقطعين عن الدواء، الأبواب موصدة من طرف المسؤولين.
وضع معتل، يسائل كل طرف من موقعه، ويفرض إعادة النظر في السياسات السابقة، التي هي إن عالجت البعض، فإنها عجزت عن ذلك في حالات أخرى، وإذا كانت تتغيّا تقليص الوفيات فإنها أدت إلى ارتفاع في عدد الإصابات، نتيجة لتدابير وإجراءات ارتجالية، تستوجب الوقوف عندها وتقييمها بشكل جدّي، من أجل المساهمة في «فرملة» تقدم هذا المرض القاتل.
الكاتب : وحيد مبارك Wahid.abouamine@gmail.com - بتاريخ : 22/03/2018