بالصدى …  صحة بدون حفظ

وحيد مبارك wahid.abouamine@gmail.com

ارتفعت درجات الحرارة خلال الأيام الأخيرة، وسترتفع بشكل أكبر في القادم من الأيام، ومع تنامي معدلاتها وتصاعد درجاتها سيرتفع الإحساس بالقلق من عدد من التفاصيل ذات البعد المرضي، الذي رافق جزء منه خلال المدة الفارطة عددا ليس بالهيّن من المرضى من المصابين بأمراض الحساسية التي تستعر «حرارتها» خلال فصل الربيع، بفعل تفتح أنواع مختلفة من الأزهار، وما قد يطال الأجسام من خلال ملامسة أعشاب و»تسرّب» حشرات، هاته الأخيرة التي تشكل حديث مجالس خاصة وعامّة، في عدد من المناطق، والتي تؤرق مضجع أعداد كبيرة من المواطنين الذين باتوا لا يتلذذون بنعمة النوم، بفعل غزو البعوض على وجه التحديد؟
قلق ليس نتيجة للحرمان من النوم والتسبب في تقطّعه فحسب، لأن الهاجس الأكبر هو يكمن في الخوف من أن يجد عدد من «الملسوعين» أنفسهم عرضة لفيروسات وأمراض تنتشر في أجسامهم من خلال موضع اللسعة البعوضية، والتي قد تختلف تطوراتها وحدّة تبعاتها، باختلاف البيئات المتعددة التي تشكّل مشتلا لنشأة هذه الحشرات واحتضانها، والتي تتعدد في كبريات الحواضر، كما هو الشأن بالنسبة للدارالبيضاء، وفي أحياء ليست صفيحية فقط، تفتقد لعدد من شروط العيش، وإنما حتى في الأحياء التي تحتضن سكنا متوسطا، كالمعاريف ولاجيروند، وذلك نتيجة إما لوجود أوراش بناء غير تامة، باتت بيئة نتنة غير صحّية بكل ما تحمل الكلمة من مقاييس، أو تعلّق الأمر بمرائب ومستودعات مهجورة، أهملها الخواص من أصحابها وتملّصت من معالجة إشكالاتها الصحية وتبعاتها المصالح الأخرى المعنية، سواء بشكل مباشر كمصالح حفظ الصحة التابعة للمجالس المنتخبة من مقاطعات، أو بشكل غير مباشر كما هو الحال بالنسبة لمصالح وزارة الصحة، التي ترمي بهذه الكرة في مرمى المقاطعات التي لها اختصاص الوقاية و»التأمين» الصحي لهذه الفضاءات المهملة وغيرها، حتى لاتشكل مصدرا لانتشار الفيروسات وتعميم الأمراض، وفقا لمضمون الميثاق الجماعي.
واقع تتواصل خيوطه المرضية بعيدا عن فعالية أي من المؤسستين، وفي الوقت الذي قد تتقاذفان فيه كرة المسؤولية، أو قد ينتظر فيه البعض تسجيل تحرك فعلي وعملي منهما، أو على الأقل من أحدهما، تبقى أجسام الصغار والكبار، عرضة للسعات سامة، مادامت الأدوية والمبيدات الحشرية لا تصل إلى كل الأماكن المعنية، وحتى إن وصلت تكون غير ذات جدوى بالنظر لمكوناتها وتاريخ صلاحيتها وكيفيات تخزينها، أو يتم رشّها بكيفية شكلية تعتمد على الشكل لا المضمون، ولذر الرماد على العيون، علما أن الأمر لا يتعلق ببعوض لوحده، وإنما بقوارض كالجرذان، قضمتها قد تنتقل من هذا الجسم إلى ذاك، حيوانا كان أو بشريا، في إطار سلسلة مفتوحة على كل الاحتمالات، وبصراصير وغيرها من الحشرات الأخرى، التي تشكل مصدرا متنقلا للأمراض المختلفة، بتعدد أشكال الخطورة والتبعات.
إن قيام مكاتب حفظ الصحة بدورها هو يعتبر أولوية صحية ولا يتعلّق الأمر بترف، هذه المصالح التي لم يعد مشهد موظفيها وهم يتجولون في الأزقة والشوارع للقيام بمهامهم مألوفا كما كان ذلك في السابق، خلال سنوات خلت، حيث كانت الأطقم تجوب كل المناطق، وتقوم برش المبيدات الغازية، ونثر تلك التي هي على شكل مساحيق في البالوعات وقنوات الصرف الصحي، وتعالج الفضاءات الفارغة، وأضحت هذه الخدمات الصحية استثنائية، تتحكم فيها كثير من العوامل الذاتية أكثر منها موضوعية!
المفروض أن خارطة المستودعات والفضاءات المهجورة هي متوفرة عند المصالح الجماعية، شأنها في ذلك شأن الخطاطة العمرانية بشكل عام، وهو ما يمكن من التوفر على صورة كاملة لكل منطقة على حدة وترتيب أولويات التدخل، فهل تكشف «الجماعات» عن برامجها الصحية وترجمتها عمليا عوض تدبيجها ورقيا، وهل تتحرك وزارة الصحة لتساهم بدورها في تحريك عجلة حفظ الصحة الصدئة، في إطار مخطط وقائي لتفادي ما قد لا يسرّ صحيا؟

الكاتب : وحيد مبارك wahid.abouamine@gmail.com - بتاريخ : 04/06/2018