بالصدى .. صيدلية «درب عمر»

وحيد مبارك

تحوّل مركز «درب عمر» في مدينة الدارالبيضاء إلى فضاء لبيع كل ما يمكن للإنسان أن يتخيّله وحتى المنتجات التي قد لا ترد على باله، انطلاقا من التمور والفواكه الجافة، مرورا بالبطانيات والأغطية المختلفة، والحقائب، ولوازم التنظيف، ومستلزمات المطبخ وغير ذلك من «سلعة الشينوا»، مما جعل من هذا «التجمع المهني» أكبر سوق تحج إليه الشاحنات وسيارات نقل البضائع من جميع مناطق المغرب.
وإذا كان درب عمر سوقا تجاريا فإنه يمكن كذلك أن نطلق عليه «مجازا» اسم «صيدلية»، بالنظر إلى أن بين المحلات التجارية المختلفة ووسط المنتجات الموضوعة على رفوفها المتعددة، يمكن للمتجول أن يجد وسط مساحيق التجميل وأدوات المكياج و» الفيليلات» المزوقة وألعاب الأطفال وغيرها، علبا للفيتامينات والمعادن بكافة أنواعها، معروضة هي الأخرى للبيع، بأسعار مختلفة، فهاته تباع بسعر 10 دراهم للعلبة وتلك بـ 20 درهما وغير ذلك، أمام مرأى ومسمع من الجميع!
علب فيتامينات وأخرى قد تصنّف ضمن خانة الأدوية إلى جانب مكمّلات غذائية، بعضها يشير مضمونها إلى أنها تساعد على الحصول على جسم رياضي، وأخرى للتنحيف، وثالثة لتساقط الشعر وتقوية الأظافر، والبعض الآخر لـ «معالجة» أمراض مزمنة، في علب بأحجام وألوان مختلفة، عدد منها يثير انتباه العين والبعض الآخر يغري بفعل ثمنه البخس. «أدوية» تتكون من تركيبة كيميائية، قد يترتب عن استعمالها تفاعل معين في الجسم، قد يكون صالحا وقد يكون مضرّا، لا أحد يعلم مصدرها، وكيف تم نقلها وظروف تخزينها إلى أن تم عرضها في هاته المحلات، وهل تواريخ صلاحيتها فعلية أم مزورة، وغيرها كثير من علامات الاستفهام التي تجعل من منتجات من هذا القبيل متاحة للبيع للعموم بأي شكل من الأشكال، والتي قد يكون الإقبال عليها مرتفعا بسبب تدني القدرة الشرائية وغلاء «مثيلاتها» المتواجدة في الصيدليات؟
وإذا كان الصيادلة ينبهون مرارا وتكرارا إلى أن الأدوية والمكملات الغذائية والمستلزمات الطبية وغيرها يجب أن تتواجد في رفوف الصيدليات، التي تعد مكانها الطبيعي وفقا للقانون، واسترشادا بدستور الأدوية الأوروبي والأمريكي، ويشددون على أن الصيدلاني هو الذي يجب أن يقوم بصرفها، فإن إشكالات عديدة يطرحها هذا التداول المفتوح وبدون حدود لهاته المنتجات، والتي لا يقتصر حضورها على «درب عمر» نموذجا، أو «سوق الفلاح» بوجدة الذي ظل هو الآخر موضوع انتقاد كبير بسبب ترويج الأدوية المهربة من الجزائر في جنباته، نظرا لأن هناك تسويقا إلكترونيا عابرا للقارات يحقق أرقاما ومعاملات مالية ضخمة، تتم خلاله عمليات البيع والتخزين والتوزيع على نطاق واسع بنقرات بسيطة وباستعمال صفحات على مواقع التواصل الاجتماعي، جعلت وصول هذه المنتجات إلى أيدي الأشخاص أمرا سهلا وسلسا و»بدون تعقيدات».
وبالعودة إلى «صيدلية» درب عمر، وارتباطا بمطالب الصيادلة الرافضة لترويج كل «مادة صيدلانية» خارج الصيدليات، فإنه من الغريب كذلك، أن يصبح عدد من الصيادلة أنفسهم زبناء لتجار درب عمر، فيقتنون منهم هم أيضا كميات من علب هذه «الفيتامنيات» و «المكمّلات الغذائية» ولوازم الرضع من «رضاعات» وسكّاتات» ومراهم لـ «الطياب»، و «موازين الحرارة» ومنتجات شبه صيدلانية أخرى لعرضها لاحقا في رفوف الصيدليات وبيعها لـ «الزبائن» بسعر أعلى. هذا السلوك الذي يكرّسه البعض، والذي يرى فيه بأنه خطوة مشروعة لمواجهة «منافسة غير شريفة» تتم خارج فضاء الصيدليات، يطرح هو الآخر أكثر من علامة استفهام في أوساط المهنيين المعنيين، ويعيد إنتاج أسئلة متعددة ترتبط بتطبيق القانون من جهة لحماية مورد عيش الصيادلة، ومن جهة ثانية بالتخليق وبالحفاظ على الأمن الصحي للمغاربة، في ارتباط ببيع نفس المنتجات، وبمواقيت الفتح والإغلاق، ومشكل المداومات، وغيرها من النقاط «الخلافية» الأخرى.

الكاتب : وحيد مبارك - بتاريخ : 23/07/2025