بالصدى .. عن الحق في «الصحة العمومية»

وحيد مبارك
كثيرة هي الانتقادات التي يوجّهها المواطنون، من الفئات الهشة أساسا، للمستشفيات العمومية وللمهنيين الذين قد يضعونهم جميعا في سلة واحدة بسبب تجربة كشفت عن سوء استقبال أو تسويف ومماطلة أو ضعف في التدخل وتقصير في التكفل، إلى جانب مؤاخذات تتمثل في غياب الطبيب المختص أو عطب جهاز «السكانير» أو «الإيكوغرافي»، فضلا عن عدم توفر تحاليل مخبرية معينة، وضرورة اقتناء مستلزمات طبية لمباشرة التدخل الجراحي أو غيره، ونفس الأمر بالنسبة للأدوية، واللائحة طويلة طول قائمة أعداد المنتقدين، التي قد تجمع المتحاملين في حالات، لكن في حالات أخرى فإنها تضنّ الكثير من الغاضبين الفعليين الذين عانوا من صعوبات للولوج إلى الخدمات الصحية والعلاج، إما بالنسبة لهم أو لفرد من أفراد أسرهم.
إكراهات، إما مادية أو بشرية، وفي حالات معيّنة يكون الانتقاد بسببهما معا، وإذا كانت بعض المؤاخذات يجد لها القائمون على الشأن الصحي مبررات، فهذا لا يعني بالضرورة أنها صحيحة بشكل كلّي، نظرا لأنه يمكن في حال توفر الإرادة والحرص على اعتماد الحكامة القيام بجهد أكبر من أجل تجاوزها ووضع حدّ لها، كمشكل الخصاص في الموارد البشرية، والهروب من المسؤولية في القطاع العام الذي لم يعد مغريا ومستقطبا بالنسبة للكثيرين، لأن وضع خارطة صحية تستحضر حجم ونوعية الطلبات الصحية مجاليا باعتماد الخصوصيات، وغيرها من التفاصيل الأخرى يمكن أن يجيب عن الكثير من الانتظارات للفئات الفقيرة من المواطنين، وهو ما يترقب الجميع من المجموعات الصحية الترابية أن تقدم أجوبة بشأنه إن هي تمكنت من ذلك، بالنظر إلى استمرار العديد من الأعطاب.
ويبقى السلوك المتعالي، واعتماد البعض «التحايل» لتعبيد الطريق أمام «الفساد»، والتملص من المسؤولية، من أبرز العلل التي تنخر جسم المنظومة الصحية، التي تحول دون استشفائها وتحسّن وضعها، وهو ما تؤكده شهادات العديد من المرضى وأسرهم التي إن اختلفت في الشكل فإنها تصل إلى نفس الخلاصة، ومنها ما شهده أحد مستشفيات الدارالبيضاء مؤخرا، حين طُلب من مرافق سيدة تعاني من وضع صحي متدهور بفرض توجيهها صوب مستشفى ابن رشد، البحث عن سيارة إسعاف خاصة للقيام بهذه العملية، الأمر الذي لم يستسغه المواطن خاصة حين تبين له بأن سيارة الإسعاف التابعة للمستشفى متواجدة في عين المكان مع سائقها الذي لم يخبره أحد من المسؤولين بضرورة اصطحاب المريضة ومرافقها، الأمر الذي خلق حالة استنكار غاضبة كان من الممكن أن تتطور إلى ما لاتحمد عقباه، لولا تدخل مهنيين للصحة في نفس المستشفى الذين تفهّموا غضب قريب المريضة واعتبروه مشروعا رغم طبيعته، والذين استنكروا بدورهم هذا الحال منتقدين تدبيرا مماثلا، علما بأن هذه الحالة ليست بالمعزولة إذ تعيشها مستشفيات مختلفة؟
وإذا كانت المستشفيات العمومية تتوفر على سيارات للإسعاف، فإن من بين الغايات الأساسية لتواجدها هي نقل المرضى الذين استقبلتهم مصالحها الذين يكونون في وضعية صحية حرجة نحو مستشفيات من مستوى أعلى كالجامعية نموذجا، في حال عدم توفرها على الطبيب الاختصاصي أو التجهيزات المناسبة لتلك الحالة، التي قد تخص امرأة حامل أو مصابا بكسور أو حروق من درجة ثالثة وغيرها، وهذا النقل قد يكون بين المستشفيات داخل المدينة الواحدة، أو من مدنية إلى أخرى، وهي العملية التي يجب أن يسهر على ظروفها كاملة مدير المستشفى، أما إذا كانت السيارة في مهمة أخرى في ظل وجود عامل الاستعجال، أو كان أقارب المريض يريدون نقل مريضهم إلى مصحة خاصة، ففي هاته الحالة ولأن القرار كان برغبة منهم فعليهم البحث عن سيارة إسعاف خاصة للقيام بهذه الخطوة؟
هذا «الشرط» يتم تغييبه في كثير من الحالات ليحضر «التوجيه» تحت مبرر «الأمر الواقع» من طرف بعض المهنيين نحو سيارات الإسعاف الخاصة المتواجدة بمحيط كل المستشفيات العمومية، وفقا لشهادات الكثيرين، الأمر الذي يطرح أكثر من علامة استفهام بخصوص استمرار سلوكات من هذا القبيل، إلى جانب تواصل أعطاب النقل الصحي العمومي أيضا، وضمنها ما يتعلق بالتنسيق، وهو ما كان قد شكّل مذكرة لعبد القادر عمارة في 8 يناير 2018 حين تحمل مسؤولية تدبير الوزارة لفترة بعد إعفاء الوزير السابق الحسين الوردي، على سبيل المثال لا الحصر.
نقل بقصص أليمة وجراح عديدة، ظل الممرضون تحديدا ينتقدون شروطه وظروفه، وينبهون إلى غياب الإطار القانوني الذي يضمن لهم الحماية أثناء مرافقة المرضى، ويؤكدون بأن اختلالات تقع على أرض الواقع والتي تتناقض ومقتضيات الفصول 47 ـ 65 و 90 من القانون الداخلي للمستشفيات، إضافة إلى عدم احترام المذكرة الوزارية رقم 72 / 100 الصادرة بتاريخ 26 فبراير 2001 المتعلقة بالنقل بين المستشفيات، وكذا المذكرة الوزارية رقم 16 الصادرة في 25 فبراير 2010 والمتممة بموجب المذكرة 141 الخاصة بمساطر نقل الحوامل لتلقي علاجات توليدية، وصولا إلى المذكرة الوزارية المتعلقة بإسعاف كوفيد 20 / 2020، فهل سيتم طيّ صفحة هذه الفوضى وفتح صفحة جديدة تحضر فيها العقلانية أم أن هذه الاختلالات وغيرها ستظل لصيقة بمنظومتنا الصحية الوطنية؟ سؤال يجد قوته في الالتزام الذي تم التعبير عنه بمناسبة الحوار التفاعلي مع المقررة الخاصة المعنية بالحق في الصحة في إطار الدورة 59 لمجلس حقوق الإنسان بجنيف.
الكاتب : وحيد مبارك - بتاريخ : 25/06/2025