بالصدى … غبار وصمت

وحيد مبارك wahid.abouamine@gmail.com

تعرف معدلات الربو وأمراض الحساسية ارتفاعا يوما عن يوم، وتزيد فسحة امتدادها انتشارا، خاصة مع ارتفاع منسوب العصرنة والتمدن، الذي تعد هذه الأمراض من بين مخلفاته غير الإيجابية، والتي تدق المؤشرات الرقمية العالمية ناقوس الخطر بشأنها، كما هو الحال بالنسبة للربو الذي يؤثر على حياة حوالي 235 مليون شخص عالميا، هذا في الوقت الذي تؤكد فيه إحصائيات منظمة الصحة العالمية أن مرض الانسداد الرئوي أصبح حاليا هو السبب الرابع للوفاة، مما يفرض تعزيز الجهود المبذولة لمواجهتها ومحاولة الحدّ من مستوى انتشارها.

كلفة ثقيلة، صحيا واقتصاديا، خاصة وأن هذا النوع من الأمراض المزمنة هو يلازم المريض ويكون سببا في وفاته، في لحظة من اللحظات، وبكيفية تكون مفائجة، غير مميز ما بين صغير أو كبير. علل لم تعد وراثية فحسب، بل أنها «تٌكتسب» في مرحلة من مراحل الحياة، وإن قضى الشخص سنوات عديدة من عمره سليما «تنفسيا»، متى كانت العوامل البيئية التي يعيش في ظلها ملوثة وناقلة للمرض، وهو مالم يعد استثنائيا في ظل كمّ الدخان المنبعث يوميا من عوادم السيارات ومداخن المصانع، ونتيجة لملوثات صلبة وسائلة، تخترق الجسد والتربة، متسببة في كل علّة ونكسة.
أمراض تنفسية باتت تشكل هاجسا يؤرق بال الأسر، التي فرض عليها التمدن التعايش مع مسببات «غير مرئية» للمرض، لكنها تجد نفسها مجبرة على الانتفاضة بين الفينة والأخرى متى بدا لها الخطر مرئيا، لايُجسّد فقط في نوبات ضيق التنفس وسعال وصفير ينبعثان من صدر المريض، أو يتمثل في البخاخات التي يصفها الطبيب الزرقاء منها والبرتقالية والبنفسجية، العمودية والدائرية، وإنما أضحى باديا للعيان من خلال تغير لون السماء، وفي الغبار المتطاير وأكوام «الأتربة» المخلّفة على أسطح البنايات، كما هو الحال بالنسبة لمدن المحمدية، أسفي، القنيطرة، التي خرج فيها المواطنون بعدما أعياهم الصبر وطور الترقب والانتظار للاحتجاج والتعبير عن تخوفهم مما بات يطالهم من أمراض تنفسية، تؤكدها بالنسبة لهم كل العلامات، التي تطلبت فحوصات طبية واستعمال محتوى الوصفات الدوائية.
احتجاجات تعددت أشكالها، ووقفات صدحت فيها الحناجر بالشعارات، ورفعت خلالها اللافتات واليافطات، ووضع المشاركون الغاضبون على أفواههم وأنوفهم الكمّامات، دلالة على منسوب الاختناق الذي ياتوا يعيشونه، ومع ذلك فالنتيجة واحدة، غبار في السماء، وغضب في الأرض، مقابل صمت رسمي لمسؤولي الصحة، إقليما، جهويا ومركزيا، وغياب أي توضيح يهدئ من روع المواطنين، ويعطي تفسيرا لنوعية الغبار الأسود، والدافع الذي تسبب في انتشاره ودرجات خطورته، مما يترك الباب مفتوحا عريضا على المجهول وعلى حقيقة واضحة بالعين المجردة وهي أن محيط دائرة أمراض الحساسية والأمراض التنفسية هو في اتساع يوما عن يوم، وقائمة ضحاياها هي تستقبل مرضى جدد، بتداعيات مختلفة، مفتوحة على كل احتمال؟
إن هواجس المواطنين وقلقهم يتطلب نضجا وحكمة في التعاطي من لدن الجهات الوصية، خاصة حين يتعلّق الأمر بصحة المواطن، الذي يصبح سجينا للخوف، الأمر الذي يستدعي من مصالح الوزارة المعنية وكل المتدخلين المبادرة بتعميم جو الطمأننة من جهة، والوقوف على أصل أي مشكل كيفما كان نوعه، وحجم الاختلال الذي تسبب فيه، مع العمل على معالجته بهدف وضع حدّ لتبعاته، والتكفل بالمتضررين، عوض تركهم سجناء للتخوفات، المشروعة منها أو «المتخيّلة»، لكن أن يتم اعتماد «سياسة» تجاهل الأمر وغض الطرف، فذلك ليس من المسؤولية في شيء.

الكاتب : وحيد مبارك wahid.abouamine@gmail.com - بتاريخ : 02/11/2017