بالصدى: «كنوبس» .. الوجع!
وحيد مبارك
كثير من العلل تأتي مفاجئة، بدون سابق إشعار، فتكون بالنسبة للبعض صادمة، قاهرة، ماديا ومعنويا، وإذا كانت فئة تسعفها إمكانياتها لتلقي العلاجات الضرورية، أو تتوفر على تأمين وتغطية صحية بدون قيود، تخفف عليهم من وطأة المرض وتبعاته، فإن فئة أخرى من المواطنين تجد نفسها تعاني الأمرّين، معاناة لاتطال من لاتغطية صحية لهم فحسب، بل تمتد لتشمل حتى فئة من المؤمّنين. ويتعلّق الأمر بالموظفين، الذين يجدون أن تغطيتهم التي كانوا يعتقدون أنها حامية لهم من تقلبات الزمن الصحية، هي تجيب عن قسط من العلاجات وتتخلّف في آخر، مهما بدا «ضعيفا» ماليا فإنه يشكل عطبا ليس بالهيّن، خاصة لفئة من الموظفين الصغار، من محدودي الدخل، كما هو الحال بالنسبة للموظفين الجماعيين، ويتعاظم المشكل لأولئك المصنفين في سلالم، هي عنوان على الهشاشة والعوز!
مرحلة التيه والضياع ما بين المرض، وتوفير المصاريف المادية لتسديدها في حينه من أجل الخضوع للفحوصات الضرورية وولوج مرحلة العلاجات، هي متعددة وكثيرة، ومن بينها حالة «س . س»، وهي موظفة بالجماعة الحضرية للدارالبيضاء، التي أصيبت بسرطان الدم، فكان وقعه عليها أليما، حاولت التغلب على آثاره النفسية، ممنّية النفس بالعلاج، من خلال ترددها على مرافق المركز الاستشفائي الجامعي ابن رشد، حاملة معها ورقة العلاجات لـ «الكنوبس»، منتظرة أن تكون داعمة لها، فإذا بها تصطدم بأنها ليست صالحة لكل الخطوات العلاجية، إذ حُرمت من التكفل بمصاريف «البيد سكان» الذي يتطلب الاستفادة من خدماته تسديد 8 آلاف درهم، دون الحديث عن مسطرة المواعيد والانتظار، وإذا ما أرادت غير ذلك، كان يتعين عليها طرق أبواب أحد المراكز المختصة وتسديد 13 ألف درهم، علما بأنه طلب منها إجراء الفحص بهذا الجهاز، الذي يؤمن الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي مصاريفه، 3 مرات، استجابت لمرتين وعجزت عن توفير مصاريف الفحص الثالث، ولم تقف معاناتها عند هذا الحدّ، بل كانت حدّتها تتعاظم سعيا للحصول على موعد للعلاج، قبل أن يتم تحديد موعد لها لأخذ الخلايا من جسمها بالمركز الجهوي لتحاقن الدم والاحتفاظ بها إلى غاية الانتهاء من مدة العلاج، التي تطلبت مبلغا ماليا وصل إلى 21 مليون سنتيم، مكّنتها «الكنوبس» من شهادة تحملها، لكنها حرمتها من تحمل مصاريف المركز الجهوي التي تصل إلى 38 ألف درهم، علما بأنها حين سعت لاسترجاع بعض هذه المصاريف تمت مطالبتها بالإدلاء بالفاتورة، وتفاصيل الفوترة، وتقرير الطبيب وغيرها، لكن جاءها الجواب الصادم، أن المبلغ الذي تكلّفت به «الكنوبس» هو إجمالي ويشمل كل التدخلات، وبالتالي فهذه المؤسسة هي غير معنية بأية مصاريف أخرى، يجب على المريضة/المنخرطة أن تتدبر أمرها بشأنها وأن تتحمّلها لوحدها؟
واقع يعيش تحت وطأته عدد ليس بالهيّن من الموظفين، ولايقف الأمر عند حالات مماثلة، والتي هي ليست بالمعدودة على رؤوس الأصابع، بل تنضاف إليها ملفات جامدة تنتظر التعويض عنها منذ أشهر، كما هو الحال بالنسبة لملفات تتعلق بصحة الفم والأسنان، التي تعيش وضعية احتجاز، في الوقت الذي تتم الدعوة رسميا لإيلاء صحة الفم والأسنان العناية اللازمة لتداعياتها الصحية على أعضاء أخرى، ترفع من كلفة العلاجات، لكن وبكل أسف نحت «الكنوبس» منحى لامباليا بالتزامات الموظفين المعنيين، الذين وضع عدد كبير منهم شيكات بنكية، كضمانات في انتظار التعويض عن المصاريف لتسليمها للأطباء واسترداد وثائقهم، والذين يعيشون إرهابا نفسيا يوميا خوفا مما تخبئه لهم الأيام، سيما وأن جلّهم إن لم يكن كلّهم لارصيد لهم، علما بأن بعض هذه القرارات تُبنى على عدم توفر شرط ما، اتخذته الإدارة المؤمنة يوما في تغييب لكل أشكال المقاربة التشاركية، دون إخبار هيئات الأطباء المعنيين أو المنخرطين، أو ممثليهم المنتخبين، وتريده أن يصبح إلزاميا وإن كان من جانب واحد؟
إن من حقّ «كنوبس» أن تحافظ على أموال المنخرطين التي تقتطع مباشرة من رواتبهم الشهرية، وأن تحرص على أن تكون قنوات التعويض شفافة، وإذا ما ضبطت أي اختلالات فيجب أن تباشر مسطرة المتابعة والمحاسبة في حق المخالفين، من أي جهة كانوا، لكن أن تحرم منخرطيها من تعويض مصاريف علاجاتهم بمبادرة أحادية الجانب، في تغييب لكل أشكال التواصل المؤسساتي، تاركة يومياتهم مفتوحة على المجهول، وأن تعمل على ترك آخرين يتحولون إلى متسولين لتأمين مصاريف فحوصات للأشعة وعلاجات، هي ذات كلفة ثقيلة، دون أن تستحضر تبعات عللهم العضوية والنفسية، فإنها تتحول بذلك إلى وجع كبير، وتضيف إلى أعطابهم عطبا آخر غير منتظر!
الكاتب : وحيد مبارك - بتاريخ : 29/05/2017