بالصدى : مرضى الإضراب

وحيد مبارك

للخميس قصص متعددة مع صحة المغاربة، فهو تارة يوم للغضب، وتارة أخرى موعد للإعلان عن تحقيق بعض المكتسبات، لمواطنين ومهنيين، أطباء، صيادلة وممرضين. يوم يأتيهم بخبر سارّ ولو بشكل نسبي، لكنه يخذلهم أياما، إذ مهما بلغت حمولته الإيجابية لحظة، فإنه يعود ليتّشح سوادا، معلنا عن استمرار العلل والأعطاب مقابل غياب العلاج بتهميش الأسباب.
إنه واقع حالنا اليوم، الذي يعيش فيه قطاع الصحة إضرابا إنذاريا وطنيا، دعت إليه عدد من التنظيمات النقابية، احتجاجا على وضع تعتبره قاتما، يضر بالمواطنين والمهنيين على حدّ سواء، وتنديدا بسلوك مؤسساتي من الوزارة الوصية تراه مجحفا، وللمطالبة بتفعيل مضامين ملّف نضالي تعتبره عادلا. نقابات حسمت في ألا تجلس لطاولة حوار تعتبره شكليا، مناسباتيا، صوريا، لاجدّيا، وقرّرت أن تفرغ المؤسسات الصحية العمومية من الوزرة البيضاء، أطباء وممرضين وحتى إداريين، في كل المؤسسات الاستشفائية والوقائية والمعاهد الصحية الوطنية، باستثناء أقسام العناية المركزة والمستعجلات. شكل نضالي قد تكون النقابات محقّة في اتخاذه ومجبرة للدعوة له والانخراط فيه، كسقف وجدت نفسها على عتبة محطته، ملزمة بأن تعلن عنه، بالنظر إلى أن نداءاتها ولطيلة سنوات لم تؤت أكلها، ولم تجد لها آذانا صاغية، ولم يفعّل منها ولا مطلب، مما ساهم في نشر جو من التشكيك، وارتفاع أصوات الانتقادات والاحتجاجات في أوساط تنظيماتها وصفوف قواعدها، التي ترفض منها هذا الحِلم الحاتمي، وتغيير الخد في كل مرّة لتلقّي الصفعة تلو الصفعة!
إضراب لايمكن إلا أن يُحترم قراره، لكن لايجب التغاضي عن كونه يشكل خيبة وصدمة لعدد كبير من «مرضاه»، الذين منهم من انتظر الأشهر الطوال، طرق خلالها ألف باب وباب، ووقف في طوابير لاتنتهي حكايات الألم بها. مرضى عانوا الأمرّين لإجراء الفحوصات المخبرية وغيرها، ماديا ومعنويا، وأعدوا ملفّاتهم كاملة للخضوع لتدخل جراحي، بعضهم قطع العشرات من الكيلومترات، وقضى الليل عند قريب، أو بـ «فندق» أو بحديقة المستشفى في انتظار بزوغ الفجر حتى يتسنى له ولوج قاعة العمليات، للخضوع لتدخل جراحي مبرمج منذ أمد، فيجد نفسه في نهاية المطاف أمام إضراب يعصف بمبتغاه في العلاج، ويدعوه إلى أن يحمل معه سقمه مرة أخرى إلى موعد قد يأتي أو لايأتي، موعد سيكون مطالبا فيه بتقديم ملف طبي آخر بتحاليل وفحوصات جديدة، دون استحضار إن كانت له الإمكانية المالية للقيام بها، كما هو الحال بالنسبة لمرضى الأورام السرطانية وغيرهم، إن هم ظلوا على قيد الحياة؟
إنها المأساة التي يُعلن عن تفاصيلها خلال كل إضراب يشهده قطاع الصحة ببلادنا، التي تؤكد الشغيلة الصحية وعيها بتداعياتها على صحة المرضى، لكنها تشدد على أنها تجد نفسها مجبرة على اتخاذها في وقت من الأوقات حين تجد هي الأخرى كل أبواب الحوار الجدي مع المسؤولين عن القطاع موصدة، لكن بين المحتج والمسؤول يجد المريض نفسه ككرة يتم تقاذفها، لايكلّف المسؤولون أنفسهم عناء استحضار معاناته، ليكون في نهاية المطاف رهينة للاستشفاء في جهة أخرى، مع مايعنيه ذلك من إمكانيات مادية لاطاقة له بها، أو الاستسلام لواقع المرض وما قد يترتب عنه، في انتظار الفرج!

الكاتب : وحيد مبارك - بتاريخ : 28/09/2017