بالصدى : مرضى .. لامجرمين

وحيد مبارك Wahid.abouamine@gmail.com

 

ليس من السهل على أي كان أن يشاهده إبنه طريحا للفراش، يتألم لمرض أصابه، فبالأحرى أن يشاهد الدماء تكسو جسمه، وأن يعاين صوره المتناقلة على مواقع التواصل الاجتماعي وهو يتعرض لإطلاق الرصاص والضرب، وأن يُنعت فوق كل هذا بكونه مجرما، الأكيد أن الألم سيكون مضاعفا ووقعه سيكون شديدا ليس بالهيّن.
إنها الحالة التي وجد عليها والد يوسف نفسه، هذا الأب الذي ظل طوال عمره، يكدّ ويجتهد ليل نهار، في أوراش البناء وغيرها، مسخّرا خبرته في مجال الكهرباء للحصول على مقابل مادي يعيل به أسرته التي تقطن بحي ليساسفة بالدارالبيضاء، وأن يربّي به أبناءه ويمكّنهم من التعليم، ومن بينهم يوسف، الذي كان ينظر إليه بعطف أبوي يوما عن يوم، وهو يكبر ويشتد عوده، وهو يشق طريقه في التحصيل العلمي والدراسي، ممنيا النفس باليوم الذي يعانقه ويسير إلى جانبه مفتخرا بكونه بات طبيبا بإمكانه أن يعالج أسقام الآخرين ويعالج أمراضهم، لكن القدر شاء غير ذلك، وقرّر أن يؤخر حلمه، الذي لولا الألطاف الإلهية لكان أُجهض. هذا الشاب الذي يدرس في سنته النهائية بكلية الطب والصيدلة، الحامل لآمال عريضة، الذي مرض كما يمكن لأي كان أن يمرض، لكنه وخلافا للعديدين لم يجد من يشخًّص مرضه ويمنحه الدواء المفيد لوضعه الصحي، مما أثر عليه سلبا، وأصابه بحالة من الهيجان دفعته إلى مغادرة البيت إلى الشارع، فلم يتداركه أحد، لم تتدخل أية جهة لتصطحبه إلى المستشفى وتجد له سريرا ينام عليه، وطبيبا يفحصه، ودواء يتناوله، إلى أن استفاق الجميع على خبر واقعة اعتداء بحي الوازيس، بطلها شخص يحمل سكينا اعتدى على الغير فاضطر رجال الأمن إلى إصابته بأعيرة نارية لكبح جماحه. شخص اعتقد الجميع أنه مجرم، جانح، لكن لم يخطر على بال أحد أن الحقيقة هي غير ذلك، وأن المعني بالواقعة هو طبيب المستقبل، هو شاب عليل، هو مواطن مصاب بمرض نفسي، لم يجد من يسعفه!
تدخل أمني كان من الممكن أن يكون «عاديا» باعتبار تعدد الحالات التي استعمل فيها رجال الأمن مسدساتهم لإيقاف مجرم يشكّل خطرا على المواطنين والأمنيين على حدّ سواء، لكن القصة اتخذت منحى آخرا بعدما خرج الأخ والأخت إعلاميا، للتعبير عن رفضهما للأوصاف التي طالت شقيقهما، وللتأكيد على مرضه النفسي الذي ألزمه المستشفى لمدة معينة في مرة، في الرباط والدارالبيضاء، والذي بسببه تم وصف عدة أدوية له، لم يؤت آخرها أكله، مما جعل الشقيق يطرق باب المصالح الأمنية، وفقا لتصريحه، طلبا للتدخل ولنقل شقيقه إلى المستشفى للعلاج بالنظر إلى أن وضعيته باتت تزداد سوءا، ودفعته إلى مغادرة البيت، لكن طلبه هذا لم تتم الاستجابة له ولم يجد صداه، إلى أن وقع ماوقع؟
قصة اتخذت بعدا آخرا، حين تحدثت الأم المكلومة لهول ما وقع لفلذة كبدها، وعندما عبّر الأب عن آلامه وعن صدمته، بخصوص تفاصيل التدخل الذي ترتّب عنه إصابة يوسف برصاصة في البطن وفي القدم، وإصابته بكسر في الذراع، وتعرضه لضربة بواسطة سلاح ابيض على مستوى الرأس وغيرها من الإصابات والكدمات التي عاينها على جسم ابنه، إصابات متجاوزة، باستثناء الرصاصة التي استقرت في البطن، التي كان من الممكن تفاديها، وهو مايتطلب الوقوف عنده بهدف القيام بمجهود تأهيلي لتمكين رجال الأمن من آليات التدخل الكفيلة بحمايتهم وحماية غيرهم، مع الحفاظ على سلامة المتدخّل ضده، باستعمال خراطيم المياه، مسدسات كهربائية وغيرها، وحتى باستعمال الرصاص الحي، لكن في اتجاه أعضاء معيّنة لاتشكل خطرا قد يترتب عنه موته، والوقوف على سلامته العقلية والنفسية من عدمها بعد ذلك.
واقعة يوسف ليست استثنائية، فالعديد من المواطنين يصابون بانتكاسات صحية، نفسية وعقلية، دون سابق إشعار، نتيجة لعوامل متعددة، مرضى جدد يعاين كل واحد منا كيف يلتحق الكثيرون منهم بالشارع العام في أحيائنا، كنا نراهم وهم «أسوياء» قبل أن نفاجئ بتردي وضعهم الصحي، وعوض أن يجدوا لهم أسرّة بمستشفيات النفسية والعقلية، وان يتم الاهتمام بهم وأن يخضعوا للعلاج، توصد أبوابها في وجوههم بداعي الاكتظاظ، وغياب الأدوية، وهو ماتناولناه غير مامرة، في غياب حلول حقيقية وإجراءات فعلية، مما يجعل الشارع وحده مستقبلا للكثير من هؤلاء المرضى في ظل غياب الإمكانيات المادية للاتجاه بهم صوب القطاع الخاص، فيصبح هؤلاء المواطنين مصدرا للخطر، على أنفسهم وعلى غيرهم، ولا يسجل أي تدخل لإنقاذهم، بل أننا جميعا قد نمر بالقرب منهم أو بمحاذاتهم مع اعتماد الحذر اتقاء لردّ فعل غير محسوب، ولانعيرهم اهتماما إلا حين وقوع رجّة صادمة، سرعان ماتخفت قوتها مع مرور الأيام لتطوى صفحتها بعد ذلك وتدخل خانة النسيان في انتظار واقعة أكثر ألما!

الكاتب : وحيد مبارك Wahid.abouamine@gmail.com - بتاريخ : 09/11/2017