بالصدى: معالجون «ربّانيون»

وحيد مبارك
بات امتهان «الطب» في المغرب أمرا سهلا، وفي متناول الجميع، فالممارسة «الطبّية» اليوم، هي لاتخضع بالضرورة لقانون، ولايشترط في صاحبها أن يكون حاصلا على معدلات مرتفعة لولوج كلية الطب والصيدلة، وليس من المهم أن يتوفر على تكوين نظري وتطيبقي، ويقضي السنوات الطوال في الدراسة، وفي الإقامة والتخصص، وغيرها من الأشواط التي يجب على الطبيب أن يقطعها خلال مساره التكويني في كل دولة قبل التخرج!
كل هذه المراحل بكلفتها وضغوطها المادية والمعنوية، أضحت متجاوزة، بما أن باب الفوضى هو مفتوح على مصراعيه، يمكن لأي كان أن يلجه وأن يعيث فيه تسيّبا، وأن يتاجر في صحة المرضى، بأمراضهم وآلامهم، وأن يدّعي كونه طبيبا، معالجا، فيشخّص العلل، ويصف الدواء، أمام مرأى ومسمع من الجميع؟
وضع معتل لم يعد استثنائيا، والحالات المتحدث عنها لم تعد معزولة، بل أن نسبها هي في ارتفاع يوما عن يوم، وعدد هؤلاء «المعالجين» هو في تزايد، لايجدون حرجا في نصب لافتات ويافطات وفي توزيع بطاقات إشهارية تخصّ نشاطهم التجاري، ولايحسّون بأدنى مركّب نقص وهم يحررون «الوصفات»، ويحددون فيها المواعيد للفئات العمرية، كما هو الشأن بالنسبة لأحد هؤلاء «الأطباء» المتواجد بتطوان، الذي يستقبل المرضى مادون سن 16 سنة يوم الخميس، ويخصص باقي الأيام الأخرى للكبار، باستثناء يوم الجمعة الذي هو بالنسبة له يوم عطلة.
«وصفات»، تتضمن تشخيصا «طبيّا»، تطرح أكثر من علامة استفهام، تحدّد إصابة هذه المريضة، نموذجا، بالالتهاب المزمن في الدم، وتؤكد على أنها تعاني من فقر دم قوي، وبأن لها قلب نبضاته ضعيفة، هذا الضعف الذي يطال كذلك الدورة الدموية، وأخرى تؤكد بأن المريض يعاني من ورم من حجم كبير على مستوى الدماغ، يضغط على العروق ويحبس اللسان، والأكثر من هذا، أن بعض هؤلاء «المعالجين» هو يطلب من المريض أن يجري عددا من التحاليل التي يحدّد نوعيتها، والتي بناء عليها يمكن أن يصف له العلاج بعد ذلك؟
واقع معتل، حاضر بيننا بشكل فاضح، علني لاخفيّ، فالأمر لايتعلّق بقصص تنهل من قاموس النكتة، أو تندرج ضمن خانة الدعابة، وإنما هي حقيقة ترخي بظلالها وبتبعاتها الخطيرة على يوميات المواطنين، خاصة منهم المعوزين، والمفتقدين لأي مستوى تعليمي، الذين يسقطون ضحايا بين براثن هؤلاء المدّعين، مما يؤدي إلى تفاقم وضعهم الصحي ويؤخر أي تشخيص فعلي، ويفرمل من آثار أي علاج في المستقبل. وضع استفاد منه كثير من المدّعين، الذين يتاجرون في صحة المواطنين، بعضهم يصبح «طبيبا» وآخرون «صيادلة»، منهم من يشخّص، وآخر يبيع «العلاج»، من أعشاب وغيرها، ولايهم إن هي سبّبت للمريض فشلا كلويا، أو أزمة ربو، أو حساسية جلدية بمضاعفات مختلفة، أو تسمما باختلاف درجاته، أو حتى إن هي كانت سببا في أن يفارق الحياة؟
عنوان أسود ضمن مجموعة عناوين قاتمة يعانيها القطاع الصحي ببلادنا، تتطلّب تفاصيله المعتله هاته، تحركا من طرف وزارة الصحة، هيئات الأطباء، السلطات المحلية، وكل المتدخلين لحماية المواطن من نصب مادي ومعنوي، ولحماية حقه في الحياة الذي يكون مهددا، باستمرار هذا النوع من الممارسات، وهو مايستوجب تطهير القطاع من الشوائب والطفيليات التي تنبت كما الفطر، وتتطور متى وجدت بنية حاضنة لها!
الكاتب : وحيد مبارك - بتاريخ : 28/12/2017