بالصدى … موارد .. برامج .. وأعطاب

وحيد مبارك wahid.abouamine@gmail.com

بلغ عدد المناصب المالية المخصصة لوزارة الصحة برسم الميزانية العامة للسنة المالية 2018، حوالي 4 آلاف منصب مالي، تشمل كل الفئات من مهنيي الصحة، أطباء، ممرضين، تقنيين، إداريين، الذين سيتم توزيعهم على الصعيد الوطني، على مراحل، بعد القيام بحركات انتقالية، في محاولة للإجابة عن الحاجيات المهولة على مستوى الموارد البشرية، ارتباطا بالمعايير الدولية الموصى بها، دون احتساب أعداد المتقاعدين والمستقيلين، سواء بالنسبة للمؤسسات الصحية القديمة أو الجديدة التي تم افتتاحها خلال الأشهر الأخيرة في إطار دينامية استثنائية، حيث تم تسريع وتيرة فتح أبوابها في وجوه المواطنات والمواطنين على الرغم من الخصاص الكبير الذي تعيشه على مستوى المهنيين في كثير من التخصصات.
موارد بشرية، تدبيرها يطرح أكثر من علامة استفهام، بالنظر إلى أنها لن تشفي غليل المرضى، الذين يعانون الأمرّين، وهم يترقبّون ممرضا على سبيل المثال لكي يصل إليهم، من بين مجموعة كبيرة من المرضى المتواجدين بهذه المصلحة أو تلك، لتقديم العلاجات التمريضية لهم، في حين يضطر آخرون للتنقل بين المستشفيات بحثا عن طبيب متخصص في مجال طبي معيّن، لأن المستشفى المحلي/الإقليمي الذي يقع ضمن المجال الترابي الذي يعيشون به، محروم من خدمات هذا الطبيب، الذي قد تقاعد أو استقال، فخلّف وراءه فراغا ومعاناة متعدّدة الأبعاد !
إنها حقيقة الوضع الصحي المعتل، الذي لايمكن حياله أن تنجح أعتى المخططات والبرامج المثالية التي يتم تسطيرها، لأنها تصطدم بواقع مريض تصبح الكلمة فيه للتدبير اللحظي، في محاولة للتخفيف قدر المستطاع من أضرار الإكراهات، وتسجيل الحدّ الأدنى من «الخسائر»، باعتماد سياسة «ترقيعية» لإنقاذ مايمكن إنقاذه، عوض أن تكون مخططات ذات أفق، تضمن تطوير الخدمات الصحية لتحقيق مزيد من الرفاه الصحي. حقيقة تؤكدها الأرقام المتدنية للموارد البشرية الصحية التي تهمّ الأطباء والممرضين، التي بينها وبين المعدلات التي توصي بها منظمة الصحة العالمية بون شاسع، مما يرفع من العبء على الأطر الصحية والتمريضية وشبه التمريضية ويبعد المرضى عن الخدمات الصحية أكثر فأكثر، ويكفي في هذا الصدد أن نعرف أنه على صعيد جهة كالدارالبيضاء سطات، أو على مستوى العاصمة الاقتصادية تحديدا، تفتقد العديد من المستشفيات البيضاوية لأطباء متخصصين، كما هو الحال بالنسبة لأطباء أمراض النساء والتوليد، وأطباء الجراحة الباطنية، وأطباء الأطفال، هاته التخصصات التي يعدّ الأطباء بها على رؤوس الأصابع، مما يرفع من حجم الضغط على مستشفى الأطفال الهاروشي نموذجا، خاصة في مثل هذه الفترة التي تعرفها بلادنا حيث ترتفع نسب الإصابة بالأنفلونزا الموسمية وتبعاتها وبالأمراض التنفسية وغيرها، وينضاف إلى هذه التخصصات تخصص طب العيون، المتواجد بقلّة في مستشفيات بينما ينعدم في أخرى كما هو الشأن بالنسبة لمستشفى محمد الخامس.
واقع قاتم للموارد البشرية، يرخي بظلاله على يوميات وليالي المستشفيات البيضاوية، الإقليمية وكذا المستشفى الذي يطلق عليه تجاوزا المستشفى الجهوي، ويتعلّق الأمر بمستشفى مولاي يوسف، فبالأحرى مستشفيات ومؤسسات صحية، تتواجد بالقرى والمداشر والمناطق النائية، ويكفي أن نسوق مثالا آخر لنستشف حجم التدبير الارتجالي في هذا الصدد، وهو تدبير مركزي، بالنظر إلى أن المركز هو المتحكّم في تصريف الموارد البشرية، وقد لايجيب بالضرورة عن طلبات الجهة كما حدّدتها، حيث ستستقبل مستشفيات جهة الدارالبيضاء سطات بعد إجراء الحركة الانتقالية التي تنقسم إلى شقّ محلي، جهوي ووطني، وباعتماد المناصب المالية المخصصة، حوالي 100 ممرض، لن يتجاوز عدد الملتحقين ببعض مستشفياتها ممرضين اثنين، بينما أخرى ستتوصل بثلاث أو أربع، علما أن آخرين سيتقاعدون، في حين يقدّر عدد الأطباء الجدد على صعيد الجهة بما بين 20 و 25 طبيبا، في تخصصات مختلفة، مما يطرح أكثر من علامة استفهام بشأن القيمة المضافة التي سيشكلها التحاق هؤلاء الأطباء والممرضين في ظل طلب مرتفع وعرض ضعيف!
إن تدبير الموارد البشرية باعتماد سياسة قوامها الحكامة، بعيدا عن أية محاباة وحسابات ضيّقة، له دور أساسي في الإجابة عن الحاجيات الكبيرة ولو بشكل نسبي، لكن العطب المتفاقم في قطاع الصحة، يتطلب سياسة شمولية، قطاعية وحكومية، ويتعيّن معه مراجعة الميزانية المخصصة لقطاع حسّاس مرتبط بصحة المواطن ومن خلاله صحة المجتمع، مع ما لذلك من انعكاس على كل مناحي الحياة اليومية، وما يترتّب عنه من كلفة مرضية واقتصادية وثقل يفرمل عجلة التنمية بشكل عام.

الكاتب : وحيد مبارك wahid.abouamine@gmail.com - بتاريخ : 11/01/2018