بالصدى.. نار ولحوم

وحيد مبارك

لم تخمد نيران أضاحي عيد هذه السنة بعد، النار التي التجأ إليها البعض لطهي لحوم تحول لونها من الأحمر إلى الأزرق والأخضر ، غير عابئ بما قد ينطوي عليه الأمر من خطورة، مستجيرا بها للقضاء على جراثيمها حتى يمكن لها أن تستقر في بطنه و باقي أفراد أسرته، فتشبع «شهوته» وجوعه، وهو الذي قد يكون باع ما غلا ثمنه في بيته، أو اقترض، أو تدبّر بشكل من الأشكال ثمن أضحية سيكون لها مابعدها، فكيف له أن يتخلًّى عن لحم هو ليس في المتناول دائما؟
إنها حقيقة وضع العديد من الأسر المغربية، التي تعيش الفقر والحرمان، والتي انضاف إليها إحساس بـ «الحكرة» وهم يقتنون بكيفية من الكيفية خروف العيد، فإذا به ونتيجة لعامل من العوامل يفسد لحمه، بعدما أزكمت رائحته المتعفنة أنوف البعض، في حين وقف البعض مذهولا أمام هول ألوان زرقاء وخضراء جعلته لايرى بعدها إلا سوادا، دون أن يجد تفسيرا مقنعا لذلك، خاصة بعد صدور بلاغات متضاربة من هنا وهناك، تتقاذف كرة المسؤولية، زادت من منسوب التيه وغموض الحالة التي تعيشها الكثير من الأسر اليوم، التي كانت بعض المصادر المختصة قد حدّدتها في حوالي 700 أسرة، بالنظر إلى الشكايات الرسمية التي تم وضعها بشأن هذا الموضوع، علما بأن عددا كثيرا من المواطنين كتم حرارة تلك النار في قلبه واكتفى بأن يشكي حاله لخالقه ولمحيطه!
واليوم وبعد مرور 14 يوما عن عيد الأضحى، وبعد أن تناولت عدد من الأسر «البولفاف»، و»التقلية» قبل أن تكتشف «بلوتها» وتقوم بالتخلص من اللحوم الفاسدة، أو من جزء منها، علما بأن من بين المواطنين المتضررين من رمى بخروفه كاملا غير منقوص الذي لم يكتب له أن يُنحر يوم العيد، وهو مايجعلها، على الأقلّ، بعيدة عن أية تداعيات صحية، وبعد أن صدرت البيانات والبلاغات المضادة، سواء من طرف المكتب الوطني للسلامة الصحية للمنتجات الغذائية، أو من قبل المجلس الوطني للهيئة الوطنية للأطباء البياطرة، أو نقابات البيطريين الخواص، أو الجامعة الوطنية لجمعيات المستهلك وكذا الصيادلة …، يحق للجميع أن يتساءل عن موقع وزارة الصحة في خضم كل هذه الجلبة «الصّحية»، ونحن نتحدث عن صحة المواطن في الأول والأخير، الذي قد يجد نفسه عليلا طريح الفراش، ماديا ومعنويا، عضويا ونفسيا، فالوزارة الوصية اكتفت بالتفرج وكأنها غير معنية بما يقع في البلاد من رجّة وضجّة «خروفية»، علما بأنها مسؤولة عن الأمن الصحي للمغاربة وعن طمأنتهم، وعن تحسيسهم وتوعيتهم، وهي معنية بشكل مباشر كذلك، حين يتم الحديث عن تعليف وتسمين الأغنام بحبوب منع الحمل، وبحبات «دردك» وباللقاحات، وغيرها من المواد الصيدلانية التي تجد طريقها إلى المستفيدين منها خارج رادارات المسؤولين المباشرين، ضدا على القانون 17.04، الوزارة التي كان يتعيّن عليها حث المواطنين المتضررين من اللحوم الفاسدة ، على التخلص منها مباشرة دون تلكؤ مهما كان وضعهم، على اعتبار أن تناولها يؤدي إلى عدة انتكاسات صحية، تتمثل في التهاب المعدة والأمعاء والتسممات وغيرها، وان تنصحهم هي وباقي الجهات المختصة بكيفية التخلص من هذه اللحوم وأين، وأن تيسّر من كل السبل الكفيلة بذلك تفاديا لأي شكل من أشكال تلوث البيئة أو نشر الأمراض بكيفية من الكيفيات.
لم تقم وزارة الصحة بأية خطوة في هذا الباب، وانشغلت بما اعتبرته أهم من صحة المغاربة، ويتعلّق الأمر بتدبيج بيانات خاصة عن تنقلات الوزير المسؤول إلى هذا المكان أو ذاك، تحت مبرر تدشين أو إعطاء انطلاقة أشغال أو غيرها من الخطوات، التي ظلت غائبة لسنوات، والتي لايجادل أحد في أهميتها، متى توفرت فيها المواصفات المطلوبة بشريا ولوجستيكيا، وليس بناء على إفراغ منطقة على حساب أخرى، بعض هذه البلاغات التي تحاول الوزارة من خلالها تقديم صورة مغايرة لقطاع بات قاتما بفعل الجراح التي أثخنت جسده بالكامل، قطاع مرّ بمراحل الاخضرار والزرقة وصولا إلى السواد، أجساد المواطنين فيه تئن عليلة، وحناجر مهنييه تصيح هي الأخرى منتقدة، في غياب تحركات فعلية لإنقاذه!

الكاتب : وحيد مبارك - بتاريخ : 14/09/2017