بالصدى : وحدة وتوحّد

وحيد مبارك
تعيش العديد من الأسر وحيدة معزولة عن العالم الخارجي، عائلات وجدت نفسها مجبرة على التقوقع حول نفسها، والانقطاع والانفصال عن محيطها، اضطرت إلى أن تتقاسم وحدتها وألمها بين مكوناتها الداخلية ضمن الدائرة الصغيرة، وأن تئن في صمت، هربا من صور نمطية ومن أوصاف جاهزة تتحاشى أن تُنعت بها حتى لا تزيد محنتها تعاظما.
أسر، فضلت الارتكان إلى الوحدة، خاصة الفقيرة منها التي تعيش كل أشكال الهشاشة، بالمقابل سعت أخرى إلى أن تتوحد فيما بينها وأن تُسمع صوتها وأن تعبّر عن معاناتها، وأن يكون القاسم المشترك بينها هو عنصر وحدتها، في معركتها في مواجهة مرض التوحد.
التوحد، مرض يتم تخليد حدثه العالمي في الثاني من أبريل من كل سنة، من أجل تسليط الضوء عليه وعلى مرضاه، هذا الداء الذي ينتشر أكثر فأكثر، إذ ارتفعت معدلات الإصابة به من طفل من بين 80 طفلا، إلى تسجيل حالة إصابة واحدة في كل 59 حالة ولادة، وفقا لآخر إحصائيات التي تم نشرها خلال سنة 2018، التي أكدت أنه يصيب الذكور بنسبة أربعة مرات مقارنة بالإناث. أطفال لا يتفاعلون اجتماعيا، يصرخون، يتمسكون بعناد وإصرار بالأشياء التي يرغبون فيها، الذين قد يصدر عنهم عنف بين الفينة والأخرى، وقد يتجاهلون غيرهم ولا يعيرونهم اهتماما، لهذا فهم في حاجة إلى من يفهمهم ويعرف مرضهم حق المعرفة، حتى يمكنه استقطاب اهتمامهم والتعامل معهم، بعيدا عن الأساليب «التلقائية» التي لا تزيد إلا من اتساع حجم الشرخ والهوة بين التوحدي ومحيطه.
مرض التوحد ورغم اتساع دائرته فإن الكثير من الأسر هي تجهله، بما أن التوعية به هي الأخرى يعتريها نوع من الضعف والمناسباتية، شأنه في ذلك شأن أمراض أخرى، فهناك من الأسر من تعتبرّه مسّا، ومن ترى فيه جنونا، وعوض التوجه إلى الأطباء يتم احتجاز الأطفال أو تقييدهم بالسلاسل والأغلال، خاصة في المناطق النائية حيث صعوبة الولوج إلى العلاج، والحال أن التوحدي، وخلافا لعدد من الأفكار النمطية الجاهزة التي قد يعتقدها البعض، هو طفل ذكي، فطن، ويقظ، قادر على التطور إيجابيا، وبإمكانه أن يبرع في عمل من الأعمال وأن يتقنه أفضل من أقرانه، متى توفر الاحتضان وحضر التوجيه، وكانت المتابعة الطبية، وتم تعبيد الطريق أمامه نحو الإدماج في المدرسة من أجل التعليم وفي سوق الشغل، حتى يكون شخصا مستقلا بذاته.
التوحدي ليس عقابا، حتى تتعرض والدته للتطليق والهجران، من طرف زوج يرى بأن الأم هي السبب في إصابة الإبن/الإبنة، فالمرض ليس وراثيا، والعديد من الفرضيات الخاطئة عن مسببات المرض هي لا تزال تنتشر بيننا إلى غاية اليوم، مساهمة في رفع منسوب التغليط وتعميم المعطيات غير الصحيحة. إن الطفل المصاب بالتوحد ليس بالشخص الخطير حتى يتم عزله، ولا بالسبّة حتى يتم سجنه وتقييده، لكي لا تشير الأصابع إليه وإلى أسرته، فهو شخص يعيش إعاقة من نوع معين، متى تم فهمها ومواجهتها أمكن تغيير واقع ومستقبل التوحدي، وهو ما يتطلب وعيا بالمرض من طرف الآباء والأمهات، ومن طرف المهنيين أنفسهم، الذين ما يزال الكثير منهم يقدمون تشخيصات خاطئة، بل ويطلبون القيام بتدخلات جراحية لا علاقة لها بالمرضى. مرض التوحد يتطلب توفير ليس فقط بنيات صحية، وإنما كذلك فضاءات للتعليم والتكوين والدمج المدرسي في أفق الدمج المهني، وتمكين هذه الفئة من ممارسة رياضات بعينها، والاستفادة من فنون مختلفة، تسهم في تطوير ملكاتهم وقدراتهم الشخصية، وهو أمر يتطلب مصاريف مالية هي ليست في متناول كل الأسر، مما يتعين معه تسطير برنامج فعلي قادر على الإجابة عن احتياجات التوحديين وأسرهم، حتى لا يظلوا منسيين، الذين حين يتم الحديث عنهم يكون ذلك بإلحاقهم بفئات الأشخاص في وضعية إعاقة بشكل عام، بعيدا عن كل تخصيص، وهو ما يعني مزيدا من التأجيل في التعاطي مع فئة غير محصية ولم يتم لحدّ الساعة حصر دائرة المرضى بالتوحد، فكيف يكون السبيل لإدماجهم؟
الكاتب : وحيد مبارك - بتاريخ : 02/04/2019