بالمباشر: «الدار» ديال الملك

عزيز بلبودالي
في منتصف السبعينيات..وفي سن العاشرة تقريبا، بأشهر قليلة تزيد أو تنقص.. المهم، طفلا كنت أتسلل للفضاء الخارجي من بيتنا الصغير المكتظ بنا كأسرة بثمانية بنين وبنات، أربعة من كل جنس، تحت سقف دافئ بدفء الوالد والوالدة، وحتى تكتمل الحسبة ونبلغ عدد فريق لكرة القدم، أبت جدتي إلا أن تلتحق بنا لتقاسمنا العيش تحت نفس السقف.
أحد عشر فردا..فريق لكرة القدم.. لذا لم يكن غيابي ليلاحظ، ولم يكن أحد لينزعج من وجودي خارج الدار لساعات طوال، ربما كان الجميع يثق في سلوكي وأنا التلميذ المنضبط حينها، المجتهد و» الظريف».
وجهتي كانت صباح كل سبت ملعب البشير، حيث المتعة في أكبر تجلياتها وأنا أتابع آخر حصة تمرينية في الأسبوع لفريق شباب المحمدية، كنت طفلا محظوظا من بين باقي الأطفال، لأن دارنا كانت بجوار منزل أسرة الرعد، وكذا عدد من لاعبي الفريق آنذاك، حتى إن الحي الذي كنا نقطنه، كان ولا يزال يحمل اسم «درب الشباب».
و كان يسمح لي، والحالة تلك، بدخول الملعب بل والتواجد على مقربة من اللاعبين في مستودع الملابس أو على عشب الملعب، كنت أستمتع بإطلالة النجم أحمد فرس، وبمرح حسن اعسيلة، وبقفشات كلاوة وحدادي، كانوا عمالقة، كانوا نجوما، وكان الفريق نجما فوق العادة، كنت أتسلل، مرة أخرى، من بيت أسرتي، يوم المباراة، أتوجه لمركز إقامة الفريق ب»المنظر الجميل» حيث كان مقر مندوبية وزارة الشبيبة والرياضة يطل من مكان مرتفع على المحطة الطرقية حيث توجد الآن..ومن مركز الإقامة، كنت أرافق «الشباب» ممسكا يد المرحوم الطاهر الرعد، أو يد شقيقه المرحوم عبدالهادي الملقب ب» بوكني»، ونتوجه جميعا، لاعبين ومدرب ومسيرين، صوب الملعب مشيا على الأقدام، وكم كنت أشعر بالسعادة وأنا أتسلم كسرة خبز وبطاطا من يد الطاهر الرعد، ثم وأنا أسترق السمع لما كان يردده اللاعبون:» الدراري، ترجلو معانا اليوم، البريم ما يمشيش من يدينا، الرباح وما كاين غير الرباح».
كانت أياما جميلة عشتها وسط لاعبي فريق الشباب، فكرة القدم هي وحدها التي كنا نعرفها نحن الأطفال من بين كل الأنواع الرياضية الأخرى، ولكن هل كانت هناك رياضات أخرى ؟ التنس؟الغولف؟ من منا في تلك الفترة من منتصف السبعينيات، ونحن أبناء الأسر دون المستوى المتوسط أو الفقيرة، أبناء منطقة العاليا حيث يقطن العمال والفلاحون وأصحاب المهن البسيطة، كان بإمكانه أن يعرف أن هناك رياضة اسمها التنس أو رياضة اسمها الغولف، لكن تلك اللحظة التي عرفت فيها وأنا طفل، أن هناك رياضة اسمها الغولف، حلت أخيرا. كنت أغادر ملعب البشير في أحد أيام حصص فريق الشباب التدريبية، كان الشارع يمر أمام الملعب ساكنا هادئا إلا من سيارة بيضاء اللون ومكشوفة، فخمة وجميلة جدا لم أر مثلها إلا في أفلام جيمس بوند أو ستيف ماكوين، وقفت متسمرا بعينين جاحظتين، فإذا بي أرى وأشاهد وجها مألوفا كنت أشاهده في نشرات الأخبار التلفزية التي كان يفرضها والدي علينا كل مساء، نعم كان هو، الملك الحسن الثاني، كان بمفرده وراء مقود السيارة، رفعت يدي لتحيته، رد علي بابتسامة وواصل طريقه، تابعت سيري على نفس الطريق، فإذا بي أمام « قصر» فخم، سأعرف في ما بعد أنه مقر نادي الغولف الملكي للمحمدية.
وأنا مشدوه أمام البوابة الكبيرة أتمعن في جمالية المكان وفخامته، وتلك الزخرفة والنقش على الباب، فإذا ب»مخزني» يمسك ب»تريكو» كنت أرتديه، ويوجه لوجهي صفعة ما زلت أشعر بحرارتها إلى اليوم، في كل مرة أمر فيها بالقرب من مقر النادي، لا لذنب سوى أنني أجبته عن سؤاله لي عما أفعل في المكان، حين قلت له: ماشي دار الملك هادي؟
أتذكر تلك الحكاية اليوم، وأنا أصادف من يوم لآخر، أطفالا صغارا يلجون النادي، وحين أسألهم من أين أتوا، أكتشف أنهم يأتون من نفس المحيط الفقير الذي كنت أعيشه، وذلك بفضل مدرسة للغولف فتحت أبوابها لصغار مدينة المحمدية جميعا، وبدون استثناء أو تمييز، بشرط واحد فقط، أن يكون الطفل متفوقا في دراسته، وأن يكون محبا لرياضة الغولف.
شكرا لمن فتح « دار الملك» لنا ولأطفالنا جميعا!!!
الكاتب : عزيز بلبودالي - بتاريخ : 11/10/2017