بالمباشر .. الرسالة.. وصلت

عزيز بلبودالي

 

المتمعن في مضمون رسائل الملك حول الرياضة، من رسالة المناظرة الوطنية حول الرياضة 24 أكتوبر 2008، والتي مرت عليها عشر سنوات بالضبط، إلى الرسالة الموجهة إلى المؤتمر السابع والعشرين للكونفدرالية الإفريقية لألعاب القوى، الذي انطلقت أشغاله يوم الاثنين 9 أكتوبر الجاري بالصخيرات، سيلاحظ بالتأكيد أن مضمونها يحدد بشكل واضح الإطار الذي من المفروض أن يدار به الشأن الرياضي الوطني. وأعتقد، وأنا أعترف أنني غير ضليع بالتحليل السياسي، بالشكل المطلوب، أن مضمون كل تلك الرسائل من الممكن اعتماده في تسطير سياسة عمومية للرياضة.
الرسالة الملكية تجيب عن السؤال الذي يطرح حول ماذا نريد من الرياضة؟ هل نجعل منها وسيلة للترفيه فقط، أو نعتمدها كوسيلة للوقاية الصحية، أم هل نعتمدها لصنع الإنجازات ورفع العلم الوطني في المحافل الرياضية القارية والعالمية؟ وأظن أن الجواب عن هذه الأسئلة، هو ما يشكل، بكل تأكيد، السياسة العمومية للقطاع الرياضي، التي نفتقدها للأسف، والتي تجعل رياضتنا تائهة بين ما هو جماهيري شعبي ترفيهي، و بين ما هو نخبوي أوما يصطلح عليه برياضة النخبة والمستوى العالي.
كيف نريد لرياضتنا أن تلعب دورها كقطاع جنبا إلى جنب مع باقي القطاعات الأخرى، الاقتصادية، الصحية، والسياحية، وهي تفتقد للبوصلة، فنحن لا نعرف أين تتجه، أو أين ترسو، وبأي آليات تتحرك؟ كيف نريدها كما تريدها رسائل الملك، ووزارتها الوصية تفتقد لأي استراتيجية أو سياسة تحدد ملامح القطاع؟
هنا يكمن الخلل، وهنا يجب أن نشتغل، ومن هنا يجب أن ننطلق، ودعونا من التبجح ببعض الإنجازات التي تتحقق من فينة لأخرى، وغالبا ما تكون عن طريق الصدفة ليس إلا، فالمفروض وضع الإطار ببرنامج عمل ورؤية واضحة وبأهداف محددة، لأن المتعارف عليه،سياسيا، أن تدبير أي قطاع، لا يمكن أن يتم سوى بواسطة سياسة عمومية.
كنت ومازلت مقتنعا بذلك الدور الهام الذي يمكن للرياضة أن تلعبه في بلادي، وقد لخصت الرسالة الملكية الأخيرة أبرز وأهم ملامح هذا الدور حين قال جلالة الملك: «إن الرياضة عموما …تعد إحدى السبل الكفيلة بتنمية الشباب ..وإدماجه في محيطه وتعزيز مناعته ضد كل أشكال الانحراف الاجتماعي والاقتصادي والتطرف ..» .
طبعا، هذا ما يمكن للرياضة أن تحققه، بشرط أن تتوفر فيها الشروط الكفيلة لكي تضطلع بدورها كاملا وفي محيط سليم، لأن ما تعيشه رياضتنا اليوم، لن يجعل منها، بكل حال، تلك الوسيلة التي يمكن اعتمادها لبلوغ الأهداف المنشودة، وهو الأمر الذي سجلته الرسالة الملكية لسنة 2008، حين لاحظ جلالة الملك:
«ومن التجليات الصارخة لاختلالات المشهد الرياضي، ما تتخبط فيه الرياضة من ارتجال وتدهور واتخاذها مطية، من لدن بعض المتطفلين عليها، للارتزاق أو لأغراض شخصية، إلا من رحم ربي من المسيرين الذين يشهد لهم تاريخ الرياضة ببلادنا بتضحيتهم بالغالي والنفيس من أجلها،… كما أن الممارسة الرياضية أصبحت في عصرنا، حقا من الحقوق الأساسية للإنسان. وهذا ما يتطلب توسيع نطاق ممارستها، لتشمل كافة شرائح المجتمع، ذكورا وإناثا على حد سواء، وتمتد لتشمل المناطق المحرومة والأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة. وبذلك تشكل الرياضة رافعة قوية للتنمية البشرية وللاندماج والتلاحم الاجتماعي ومحاربة الإقصاء والحرمان والتهميش…»
في كل الرسائل الملكية الموجهة للرياضة، يدعو الملك إلى ضرورة اعتماد استراتيجية «ترتكز أساسا على إرساء حكامة جيدة للتسيير وصقل المواهب، وتأهيل الكفاءات عبر منظومة حديثة للتأطير والتكوين، وتعزيز وتطوير البنيات التحتية، والتوفيق بين ألعاب القوى الجماهيرية وإعداد النخبة في هاته الرياضة…» كما ينبغي أن تقوم هذه الاستراتيجية، تضيف الرسالة الملكية، «على الانفتاح على القطاع الخاص، في إطار شراكات ناجعة توفر الوسائل الضرورية لمصادر تمويل الخطط الإنمائية لتطوير هذا الميدان، والتي تشكل معضلة حقيقية لكثير من بلداننا».
كل الرسائل الملكية الموجهة للرياضة شخصت الواقع الرياضي، وسطرت أهدافا محددة وقابلة للتطبيق، وقدمت حلولا عملية وناجعة، فهل حاول مسؤولو الرياضة عندنا من مختلف مواقعهم، الالتزام بمضامين تلك الرسائل؟
إنها نفس العناوين، نفس الوجوه، نفس الاختلالات تعيشها الرياضة الوطنية «إلا من رحم ربك».
رجاء، ولأنكم لم تفعلوا ولن تفعلوا، لا تستهلوا مستقبلا خطاباتكم بعبارة: في إطار الرسالة الملكية الموجهة للرياضة الوطنية، سنعمل على …
خذلتمونا منذ 2008، كما خذلتم مضامين كل الرسائل الملكية حول الرياضة..
لن نثق فيكم..إلى حين…

الكاتب : عزيز بلبودالي - بتاريخ : 13/10/2017