بالمباشر : الصالح والطالح!
عزيز بلبودالي
يغادر بيته نهاية كل أسبوع في اتجاه المجهول، هل سيعود سالما غانما كاملا، أم سيعود وجزء من جسده مبتور أو معطوب؟
هو حال من قادته أقداره أو عشقه للكرة وللتحكيم، لأن يصبح حكما في بطولة الهواة، حيث لا كاميرات ترصد، ولا سياجات تحمي، ولا أمن يمنع تطاير الحجر والقنينات على رأسه إذا لم تعجب قراراته الحاضرين في الملعب.
الحكم، أو قاضي ملاعب كرة القدم، يبتدئ مساره عادة من قيادة مباريات الصغار، ثم أدنى العصبة ثم أدنى درجات وأقسام الهواة. وغالبا، وبخلاف ما يحدث في الأقسام والدرجات الأعلى، ما يكون وحيدا، ونادرا ما يتم دعمه بمساعدين، وإن غابا حضر اثنان من الجمهور. يقود مباريات فوق تربة بدون عشب، بدون سياج، وبدون مستودع يغير ملابسه فيه أو يلجأ إليه للحماية إن طرأ في المباراة طارئ، وما أكثر الطوارئ في مثل هذه المباريات.
يأتي «القاضي»، غالبا، من عالم البطالة، بدون وظيفة أو شغل، يقترض مصروف التاكسي أوالحافلة ليصل إلى الملعب، وفي كثير من الأحيان لا يتقاضى أي مقابل بعد نهاية المباراة، وإن كان محظوظا فقد يرجع لبيته سالما بدون آثار ضرب أوجرح.
الأمر نفسه يحضر حتى في مباريات الدرجات الأعلى، كقسمي الهواة الأول والثاني، وحتى في القسم الثاني من البطولة الاحترافية، حيث يعاني الحكم من غياب الشروط الكفيلة بالمساعدة على أداء جيد، بل إنه يكون عرضة للسب والشتم والإهانة عند كل صافرة يطلقها، وتبقى حياته مهددة وهو يقطع، في أحايين كثيرة، مسافات طويلة لإدارة المباراة التي يتم تعيينه لقيادتها.
هناك أسئلة عديدة لا تزال تطرح حول ملفات يطالها، باستمرار، غموض شديد، وفي مقدمتها، مثلا، ملف التأمين والتغطية الصحية، حيث لا نعلم متى ستلتفت الجامعة لهذه الملفات ومتى ستعيرها اهتمامها، وهي الملفات التي بغيابها سيظل الحكم وأفراد أسرته يواجهون المجهول، مثلما حدث للراحل بوشعيب بنسلطانة، الذي راح ضحية حادث سير، سنة 2012، وهو عائد من مدينة تزنيت على متن سيارة أجرة، بعد قيادته لمباراة عن قسم الهواة جمعت بين فريقي أمل تيزنيت وأمل سوق السبت، حيث فارق الحياة عند مدخل مدينة المحمدية تاركا وراءه أربعة أطفال وزوجة لا تزال إلى حدود اليوم تنتظر تعويضات عن وفاة زوجها كما وعدتها الجامعة.
غالبا هم» القضاة « من تشير لهم أصابع الاتهام في كل ملفات الفساد، وعند كل مباراة «فاسدة» حين تبدو النتيجة التي تنتهي بها غريبة، تصوب السهام إلى صدور الحكام، والواقع أن سلة البيض كثيرا ما تحمل بيضا فاسدا، لكن البيض كله ليس بالضرورة فاسدا أو رديئا، والفساد في عالم الكرة تروى عنه الحكايات، حيث تبدو الدائرة التي يتوسطها الحكم، غير سليمة الأطراف، قابلة للتغير وفاتحة لمسالك ولوج الفساد، وهنا يمكن استحضار حكايات عن مسؤولين كبار في الرياضة، أو السياسة، أو في مراكز عليا في الحكومة، يجبرون حكما على تغليب كفة هذا الفريق أو ذاك، فيجد « القاضي» نفسه مجبرا على تنفيذ التعليمات، كما تروي حكايات عن سقوط حكام فريسة لإغراء المال، تحت وطأة العوز والبطالة، وتروي أخرى كيف هُدد حكام بالسلاح الأبيض وهوجموا داخل مستودعات الملابس، ليعودوا في الشوط الثاني بقرارات غريبة لكنها جنبتهم عواقب وخيمة كانت في انتظارهم.
طبعا، وكما في كل المجالات الأخرى، يوجد الصالح كما يوجد الطالح، وطبعا الجامعة من المفروض فيها أن تقوم بواجبها في حماية الحكم عبر منحه فرصة التكوين والتكوين المستمر، عبر تحفيزه ماديا،عبر تمتيعه بالتأمين وبالتغطية الصحية، وعبر، وهذا هو الأهم، العمل على سن أنظمة وقوانين تدخله لعالم الاحتراف.
نريد كرة محترفة، فهل يكون الاحتراف بلاعب محترف، وحكم هاوٍ !؟؟
الكاتب : عزيز بلبودالي - بتاريخ : 11/12/2017