بالمباشر … حتى لا تتكرر الصدمة!

عزيز بلبودالي

أعرف أن القضية طويت، والصدمة بدأت تتلاشى والجميع عاين أو سمع وتفاعل مع حدث منع أحمد فرس ورفاقه من ولوج أبواب المركب الرياضي محمد الخامس، مساء الأحد الماضي، خلال خوض فريقنا الوطني للمحليين لنهاية كأس إفريقيا أمام نيجيريا. أعرف أن الصدمة بدأت تفقد تأثيرها، بفضل سماحة روح أسطورة الكرة المغربية والإفريقية والعربية النجم الخالد «مول الكورة» أحمد فرس، وبفضل ردة فعل فوزي لقجع، رئيس الجامعة، الذي قدم عبر وسائل إعلامية اعتذاره الشخصي والرسمي تجاه ما حدث، لكنني أعرف أيضا أن أثر الصدمة لن يزول نهائيا وسيخلف تداعيات نفسية لدى صديقي أحمد فرس.

أكيد، وكما أعرفه منذ ما يناهز أربعين سنة، منذ أن كنت أتسلل لمركز الشبيبة والرياضة بحي المنظر الجميل المطل على المحطة الطرقية للنقل بالمحمدية، وأنا طفل عاشق لفريق شباب المحمدية ولنجمه الأول أحمد فرس، حيث كنت أستغل علاقة الجوار لبيتنا ببيت الراحل الطاهر الرعد لأمسك بيده ولأنال حظوة مرافقة الفريق مشيا إلى ملعب البشير لحضور مبارياته في البطولة أو الكأس، ولتتقوى علاقة الصداقة بيني وبين العميد إلى أن أطلت سنة 2007، حين نلت شرف تدوين مذكراته في سلسلة حلقات نشرت بجريدتنا «الاتحاد الاشتراكي» قبل أن تتحول إلى كتاب «أحمد فرس..سيرة حياة»، كما أعرفه إذن، فذلك الحادث لن يمر دون أن يخلف في نفسه أثرا صادما إن لم أقل جارحا.
أحمد فرس، ليس ذلك الشخص الذي يبحث عن « البوز» ولم يكن يتمنى أبدا أن يشكل مادة إعلامية أو موضوعا « فيسبوكيا» في كل الحالات، كنجم مثلا خلق حدثا سعيدا، فبالأحرى كضحية لسلوك مستفز غير مقبول على الإطلاق. وحتى في عز تألقه رفقة الفريق الوطني وهو عميده، كان يفضل التراجع للخلف معتبرا أن الإبداع فوق عشب الملعب هو جهد جماعي وليس فرديا.
أعرفه جيدا، وزرته واتصلت به مباشرة بعد ما حدث له في الملعب، وشعرت بألمه بالرغم من كل محاولاته في إخفاء شعوره، وبالرغم من كل ما عبر عنه وطلب مني أن أنقله لكل الزملاء الإعلاميين كونه يتفهم ما حدث، ولا يحمل أية ضغينة لأحد، ولا يتمنى أن يكون سببا في التشويش على فرحة إحرازنا للقب الإفريقي، وأنه يتقبل بصدر رحب اعتذار رئيس الجامعة، وأن خطأ وقع والخطأ بشري… ومع ذلك، أعرف عزة نفسه، وهو الذي يفضل الانزواء في بيته بعيدا عن الأضواء، وأعرف أن أمله خاب، وهو الذي طالما أكد أن حلمه في أن يرى كرة القدم المغربية وهي تحقق لقبا ثانيا بعد لقب 1976 وأن يكون حاضرا لحظة التتويج المغربي.. أعرف أنه سيتألم وسيكابر ألمه.
عندما أبلغته قبل المباراة النهائية تلك، بأن الجامعة ورئيسها بالتحديد، تود أن تستضيفه لحضور النهائي، وأنني توصلت باتصال هاتفي في هذا الشأن، على اعتبار أنه لا يملك هاتفا نقالا وعلى اعتبار أنني صديقه المقرب، وعندما أخبرته أن فوزي لقجع يلح على ذلك ومستعد لوضع سيارة خاصة رهن إشارته لنقله للملعب، كما وضع رهن إشارته طبيبا خاصا زاره صباح الجمعة الفائت لعيادته وهو مصاب بوعكة صحية، كان رده نبيلا نبل روحه كما عرفته وأعرفه: «ليس فرس بمفرده من أحرز كأس إفريقيا.. نحن فريق بلاعبيه الرسميين والاحتياطيين.. أتمنى على هذا الأساس، أن تلتفت إليهم الجامعة وتهتم بهم.. لماذا مثلا لا تخصص لهم حافلة تنقلهم جميعا إلى الملعب؟ هل يعلم المنظمون أن معظم لاعبي منتخب 1976 يعيشون وضعا اجتماعيا أقل من البسيط، ولا يمتلكون أدنى شيء؟».
يوم المباراة، تسلم أحمد فرس تذكرة لولوج الملعب، لم تكن دعوة شرفية.. ذهب وهو يمني النفس بمشاركة الفرحة جماهيريا وسط الملعب، لم يتحقق الأمر، وبدل الملعب، تقاسم الفرحة مع رفاق الدرب اعسيلة، كلاوة وآخرين ومعهم رواد أحد مقاهي مدينة المحمدية.
وعلى ذكر المحمدية، ربما هي المرة الأولى في تاريخها الرياضي، السياسي والمجتمعي، الذي تشهد فيه اتحادا حقيقيا وتوافقا في الرأي على موضوع واحد.. وليس في المحمدية فحسب، بل في كل المغرب.. الجميع اتفق على كلمة واحدة: عيب وعار منع أحمد فرس من ولوج الملعب!

الكاتب : عزيز بلبودالي - بتاريخ : 09/02/2018