بالمباشر : دروس.. من حفل قرعة المونديال

عزيز بلبودالي

 
أظهر حفل قرعة كأس العالم، الذي احتضنه مقر الكرملين، يوم الجمعة الأخير، أن كرة القدم حققت تطورا هائلا، وأضحت تحتل موقعا متميزا على الصعيد الدولي، وما حضور أبرز الشخصيات من مختلف عوالم السياسة والاقتصاد في الحفل، إلا شاهد على أن الرياضة قمة ينحني أمامها الجميع.
مر الحفل بطقوسه وترتيباته، مانحا الدروس لمن يبحث عن قيمة كرة القدم الحقيقية، وما يمكن أن تفعله في الوجدان، وفي ترسيخ القيم النبيلة، وما يمكن أن ترسمه من صور جميلة.
حفل للكرة و لأهلها، تحول إلى شبه مؤتمر ديبلوماسي وسياسي، وبدا كمهرجان فني، قدم أروع اللوحات الموسيقية، والعروض الراقصة الرائعة. وقدم ذلك المشهد، الذي من أجله تأسست الرياضة والمتجلي في نشر قيم التسامح والأخلاق الصورة التي نطمح إليها، وشاهدنا كيف بادر نجم من قيمة ديغو مارادونا إلى احتضان وتقبيل بيلي الأسطورة ونعلم حجم الخلافات التي سبق أن أبعدت المسافات بينهما، في سلوك نبيل ينم عن التقدير والاحترام من نجم يشهد التاريخ أنه أفضل من أنتجته ميادين كرة القدم كخليفة للأسطورة بيلي.
من دروس الحفل أيضا، أنه غير مقبول احتلال موقع يستحقه شخص آخر، ورأينا كيف انسحب بوتين رئيس روسيا مباشرة بعد إلقائه كلمة ترحيبية مقتضبة جدا، إلى خلف الستار، تاركا الموقع لأصحاب الكرة من نجومها العالميين السابقين، الذين أشرفوا على تسيير الحفل والقرعة، بل حتى على مستوى كراسي القاعة، شاهدنا رجالات الكرة من مدربين ولاعبين سابقين في الصفوف الأولى، ولم يكن هناك تسابق على احتلال الصفوف الأولى، ولم تكن هناك هرولة نحو أضواء الكاميرات.
في حفل القرعة، تعلمنا أن الجميع متساوي أمام أحكام القرعة، وأن لكل مجتهد نصيب، فمن كد واجتهد منح أعلى مستويات التصنيف، ومن استيقظ متأخرا لا حق له في العتاب أو في مزاحمة الكبار.
فريقنا الوطني من أولائك الذين استيقظوا متأخرا، وكان من الطبيعي أن يتم ترتيبه في المستوى الرابع الذي وجد نفسه فيه، وكان من الطبيعي أيضا ومن المنطقي والموضوعي أن يقبل بحكم القرعة، وأن يدرك أنه في محفل يجمع الأقوياء، وكل منتخب وصل للمونديال، فهو منتخب مهاب الجانب، وهو منتخب يحمل بدوره الطموح ليبصم على مرور يسجله له التاريخ خلال المونديال المقبل. على هذا الأساس، وعكس ما كان يتوهمه البعض وهو يبني أحلاما خيالية في أن تضع القرعة فريقنا الوطني في مجموعة « رحيمة» ، تأكد أن كل المجموعات، منتخباتها لن تكون رحيمة بعضها بالبعض.
كل المنتخبات تتهيأ وتستعد وتبحث على رسم أحسن الصور هناك في روسيا. وواهم من يعتقد أن هناك من سيشارك في المونديال للسياحة فقط، بل هو طموح واحد سيحمله الجميع في بلاد الروس.
صحيح هناك تفاوت في مستويات المنتخبات المشاركة، وصحيح أن الحكم على قوة هذا الفريق أو غيره يتأسس على ما حققه من نتائج، ما يجعل مجموعتنا، التي حكمت القرعة على أن نوجد فيها، مجموعة صعبة فعلا، إسبانيا بطل العالم في 2010، بطل أوربا في 2012، منتج لأبرز وأمهر نجوم الكرة حاليا، البرتغال بطل أوربا في النسخة الأخيرة، ومنتخب كريستيانو رونالدو أفضل لاعب في العالم وصاحب الكرة الذهبية خمس مرات، إيران بقوة تماسك لاعبيها وحماسهم العالي في اللعب وحسن انتشارهم على خطوط الملعب، كل هذه المعطيات تجعل التخوف يتسرب لنا. لكن دروس الكرة علمتنا دائما أن أرضية الملعب لها أحكامها الأخرى، والفريق الذي يمتلك لاعبوه الثقة في إمكانياتهم، هو الفريق الذي ينتصر في الأخير.
ولنكون واقعيين، نمتلك فريقا بلاعبين « أوربيين» نشأوا وترعرعوا محترفين، ويلعبون حاليا في أقوى الدوريات الأوربية، وعدد منهم يلعب أساسيا في فرق دكة الاحتياط فيها يجلس عليها بعض اللاعبين، الذين سيتسلح بهم منافسونا في المونديال.وربما هذا ما يدركه مدربو منافسينا الذين لم يترددوا في وصف منتخبنا الوطني بالقوي الذي يتوفر على لاعبين ممتازين.
نعم، لدينا فريق بلاعبين «أوربيين» لكن بقلب مغربي وروح وطنية..فلِمَ القلق والتخوف؟

يتبع…

الكاتب : عزيز بلبودالي - بتاريخ : 04/12/2017