بالمباشر: دموع الأبطال

عزيز بلبودالي

تابعت، كما تابع غيري بكل تأكيد، مساء السبت الأخير، عبر قناة «الرياضية»، حلقة عن مشاركة فريقنا الوطني في مونديال مكسيكو 1970، ولا أخفيكم كم َّ السعادة التي شعرت بها وأنا أشاهد نجوما عشقناها ونحن صغارا، لاعبين منحونا كل الفرح، في وقت كان الفرح صعب المنال. بوجمعة أخريف، حميد الهزاز، سعيد غاندي وعبد الله العمراني، أعادوا لنا بصدق في الحكي والسرد، وبحب في إعادة استرجاع الذاكرة، تلك الصور الجميلة التي صاحبت حضور الفريق الوطني في أول مشاركة للكرة الوطنية في كأس العالم.
لن تفوتني المناسبة دون أن أنوه بحسن اختيار الموضوع، ونحن لا نزال نعيش نشوة التأهل لمونديال روسيا 2018، وبدون أن أنوه بالتقديم المتميز والتعليق المصاحب للبرنامج وكذا الإخراج وكل التفاصيل الفنية والمهنية التي قدمت لنا شيئا يستحق المشاهدة.
ما تابعناه وما سمعناه في تلك الحلقة، لم يكن في الحقيقة اكتشافا جديدا، فالحكاية نحفظها عن ظهر قلب، خصوصا بالنسبة لنا نحن الذين ابتسم لنا الحظ، مثلا، وربطنا صداقات مع نجوم وأبطال من ذلك الجيل الذهبي للكرة الوطنية، إلا أننا نعشق تلك الحكايات الجميلة الخالدة ونعشق إعادة الاستماع إلى تفاصيلها، ولا نشعر أبدا بأي شكل من أشكال الملل ونحن نتابعها ونكتشف فصولها وكأنها المرة الأولى.
نحفظ القصة عن ظهر قلب، نحفظ الأسماء، التواريخ، المباريات الاقصائية، أهداف باموس، فرس، حمان وكل الأهداف التي رفعت فريقنا الوطني لزعامة الكرة الإفريقية والتأهل بالتالي إلى مونديال المكسيك 1970 كأول منتخب إفريقي وعربي يحضر المونديال بعد سلسلة طويلة وصعبة جدا من الاقصائيات.
نتذكر كيف انتقل الفريق الوطني إلى مدينة إفران لخوض معسكر تدريبي هناك، وكيف كانت صور اللاعبين تأتينا وكأنهم في مدينة من كوكب آخر بعيد بكل المسافات، وكيف كانوا يتحملون قسوة التداريب وثقل المهمة التي كانت تحيط بهم. وكيف انتقلوا للمكسيك وامتطائهم للطائرة مباشرة بعد مغادرتهم للقصر الملكي حيث حظوا باستقبال وتوديع من الراحل الملك الحسن الثاني.
نعم، نسترجع كل تفاصيل تلك الحكاية، ونشعر بكم هائل من الفخر والاعتزاز أنه كان لدينا أبطال كبار فتحوا عيون العالم على بلد اسمه المغرب، في وقت كانت فيه بلدان عالمية تصرف أرقاما مالية كبيرة على الرياضة على اعتبار أنها إحدى أهم آليات الترويج والدعاية لأي بلد.
لكن المثير في حلقة يوم السبت الأخير، وما شدنا بقوة، هو الطريقة التي سرد بها أبطالنا الحكاية، والإحساس الصادق الذي رافق أسلوبهم في الحكي، وما ظهر عليهم، أثناء ذلك ،من تأثر، بل ووصلت قمة تأثر اللاعب السابق عبدالله العمراني وهو يصف كيف تلقى الفريق الوطني الهدف الثاني من المنتخب الألماني، حيث بدا متحسرا وهو يتحدث عن هدف وعن مباراة تاريخهما يعود لما قبل سبعة وأربعين سنة، أربعة عقود كاملة وسبع سنوات. بل وفي عز تأثره، لم يتمالك اللاعب عبد الله نفسه وذرف دموعا حارة تحسرا، كما قال، على تلقي هدف أضاع منه ومن زملائه فرصة إسعاد المغاربة.
أعتقد أن تلك الحلقة، بكل الأحاسيس الجميلة التي حملها ظهور لاعبينا الكبار، وبكل التفاصيل التي وقفت عندها على مستوى روح التحدي، والرغبة الأكيدة في صنع التميز من أجل إسعاد المغاربة، والروح الوطنية التي حملها أبطالنا ومنحوها الأولوية أمام أي امتيازات أخرى، لدرس نموذجي يجب أن تستثمره الجامعة وإدارتها التقنية ونحن نتهيأ لمونديال روسيا، صحيح أن معظم لاعبي منتخبنا الوطني سيحتاجون لترجمة ما تضمنته روايات أبطال تلك الحلقة، لكنني أظن أنها ليست مهمة صعبة أمام الجامعة.
وبالمناسبة، وكما تفعل المنتخبات العالمية التي تستعين بالكوتشينغ البسيكولوجي، نحن نمتلك أفضل الآليات، أبطالا كبارا يحسنون التحدث ويقدمون خطابات مؤثرة وواقعية… ومن المؤكد أن لاعبي منتخبنا الوطني في حاجة لمثل هذه المصاحبة النفسية.
شكرا لأبطالنا على كل ما قدمتموه في مونديال مكسيكو 1970..

الكاتب : عزيز بلبودالي - بتاريخ : 19/12/2017