بالمباشر : فتح الأندلس.. من جديد!

عزيز بلبودالي

 

مرت قرابة 1307 سنة على فتح الأندلس، حين قاد طارق بن زياد جيشا فاق عدده سبعة آلاف من الجنود المسلمين لعبور المضيق الفاصل بين البحر المتوسط والمحيط الأطلسي، ونزل في شبه الجزيرة الأيبيريَّة في الموضع الذي يعرف اليوم بجبل طارق، وسيطر على ذلك الموقع بعد أن اصطدم بالحامية القوطيَّة. أقام بن زياد عدَّة أيَّام في قاعدة الجبل نظَّم خلالها جيشه، وأعدَّ خطَّة لفتح القلاع القريبة، والتوغّل في عمق إسبانيا، ونجح في فتح بعض القلاع والمدن منها قرطاجنة والجزيرة الخضراء، ثمَّ تقدم باتجاه الغرب حتى بلغ خندة جنوبي غربي إسبانيا التي يقطعها نهر برباط عبر وادي لكة الشهير، وعسكر هناك لتنطلق حكاية الحضور الإسلامي الذي استمر في إسبانيا زهاء ثمانية قرون. ومن منا لا يعرف بداية القصة حين نادى طارق بن زياد في جيشه: «أيها الناس، أين المفر؟ البحر من ورائكم، والعدو أمامكم، وليس لكم والله إلا الصدق والصبر..»
فتح الأندلس كان عنوانا بارزا، كما يذكر التاريخ، لقوة وعظمة العرب المسلمين، كما ظل طارق بن زياد ذلك الرمز للبطولة والشجاعة. وتمر مئات السنين، وهاهو الاتحاد السعودي لكرة القدم يعود لفتح الأندلس، بل إسبانيا كلها عبر احتلال اتحادها الكروي « الليغا» وعبر إرغام مسؤولي الكرة الإسبانية على دمج عدد من لاعبي المنتخب السعودي في صفوف أندية إسبانية من الدرجتين الأولى والثانية.
هي سابقة بكل المقاييس في عالم كرة القدم الاحترافية، فأن تجبر وترغم أندية إسبانية محترفة على قبول دمج لاعب أو اثنين في صفوف تركيبتها البشرية، بدون حاجة لذلك، وبدون موافقة المدرب أو الطاقم التقني، وبدون دراسة، كما تعودنا في البطولات الاحترافية الأوروبية ومنها الإسبانية، فالأمر يثير كثيرا من الغرابة ويفتح أبوابا شاسعة من الأسئلة ومن الاستفهامات.
طارق بن زياد قطع في معركته قبل 1307 سنة، مسافة لم تتعد بضع كيلومترات على البحر، فيما أرسل المشرفون على الكرة السعودية لاعبي منتخب بلدهم لقطع مسافة طويلة من شرق البحر الأبيض المتوسط إلى غربه وعلى طوله الممتد من سواحل آسيا والخليج العربي إلى المحيط الأطلسي.
هم تسعة «جنود» لاعبون من نجوم الكرة السعودية التحقوا بكتيبة مهمتها محددة: اقتحام «الليغا» ونهل ما تتميز به كرتها من تقنيات ومهارات وفنيات.
الخبر يقول: التحق تسعة لاعبين سعوديين من المنتخب الوطني الذي سيشارك في مونديال روسيا 2018 لكرة القدم، بأندية إسبانية من الدرجتين الأولى والثانية على سبيل الإعارة لمدة ستة أشهر.
إنها سابقة في تاريخ كرة القدم العالمية، وإنها عبقرية ما فوقها عبقرية، أن ترمي بتسعة لاعبين يشكلون أعمدة المنتخب السعودي الرئيسية في بحر « الليغا» دون أن يكونوا مستعدين، لا نفسيا ولا ذهنيا، لدخول مغامرة مجهولة كجهلهم حتما لخصوصيات الأجواء الإسبانية والحياة الكروية فيها.
لنقنع أنفسنا، مثلا، بما تأسست عليه هذه الاتفاقية من جانبها السعودي، ونرغم أنفسنا على استيعاب مضمون ما يترجاه مسؤولو الكرة في السعودية من وراء دمج لاعبي منتخبهم في البطولة الإسبانية، وهم يوضحون بأن هدفهم المستمر والطويل الأجل هو تطوير كرة القدم ورفع مستواها في المملكة مع إنشاء جيل جديد من لاعبي كرة القدم، وبالنسبة إلى الأندية الإسبانية، فإن إضافة لاعبين من السعودية تعني زيادة الانتشار في العالم العربي، فالسؤال الذي يفرض نفسه يتعلق بالموقف الإسباني، وكيف رضخ مسؤولو الاتحاد الإسباني لكرة القدم ومعهم أندية «الليغا» للمطلب السعودي؟؟ بل كيف تم إقناع الاتحاد الإسباني وبأي مقابل وماذا ستستفيد الكرة الإسبانية من اتفاقية الإعارة هاته، وما أهميتها وهي التي جعلت ‏25 عضوا من أعضاء الاتحاد الإسباني “الليغا” يقطعون كل المسافة الطويلة بين بلدهم وبين السعودية لحضور مراسيم توقيع إعارة اللاعبين السعوديين في الدوري!
ربما لن نجد ردودا شافية لهذه الأسئلة، إلا أن المؤكد هو أننا جميعا، كعرب، كلنا أمل في أن تنجح هذه المغامرة السعودية، وأن ينقل اللاعبون المعارون ما يفيدون به باقي زملائهم في المنتخب، وأن يغنموا فعلا من معركة اقتحام تلك الأسوار الصعبة والمتينة التي تحيط ب» الليغا»!

الكاتب : عزيز بلبودالي - بتاريخ : 27/01/2018