بالمباشر : موازين القوى! 

عزيز بلبودالي

 

لم أكن أفوت، شخصيا، وأنا طالب في كلية الحقوق، حضور درس «العلاقات الدولية» ومحاضرات هذه الشعبة، ومعي كثير من الأصدقاء الطلبة، لِما كانت تحمله تلك المادة من شرح واقعي وتفسير منطقي لعلاقات بلدان العالم في ما بينها، القوي منها والضعيف، المنتج للخبز وللرصاص والسلاح، وللمستورد غير القادر على الإنتاج، موازين القوى تلك التي تحدد المسافة بين الدول، بين الغنية منها والفقيرة التي تمد يدها للتسول لكي تعيش شعوبها.
استحضرت «موازين القوى» بين الدول، أثناء جلسة عمل جمعتني برئيس جامعة الكرة فوزي لقجع، صباح يوم الأربعاء الأخير، وهو يحكي عن واقع كرتنا الوطنية، ويرصد تاريخها وما طرأ عليها من متغيرات منذ الستينيات والسبعينيات إلى ما بعد الثمانينيات من القرن الماضي، حيث كانت موازين القوى
تمنح «الزعامة» والرئاسة ل «مول الشكارة»، وكيف كان هذا الأخير يعتمد في تسييره على طريقة رب الأسرة، يعقد الاجتماعات في منزله، حيث يلتف المسيرون واللاعبون حول مائدة الطعام، ويلتقي الجميع صباح اليوم الموالي في الملعب لخوض مباراة البطولة أو الكأس.
ثم يأتي نظام الاحتضان ليعيد ترتيب جزء بسيط من «موازين القوى» تلك، حيث تراجعت قوة حضور «مول الشكارة» لمسافات قصيرة فعلا لكن أثرها كان فعالا في تحديد مفهوم «الرئيس» الذي توضع فيه الثقة وتمنح له مفاتيح الفريق، لم يعمر نظام الاحتضان طويلا، يقول لقجع، ولتتغير من جديد العديد من المفاهيم المرتبطة بهيكلة الفرق بعد أن عرفت فترة التسعينيات ظهور قانون المنخرط.
بين هذا وذاك، وبين كل تلك المتغيرات، ضمت خريطة الكرة المغربية أندية بمواصفات مختلفة، منها من تم وضعه في خانة الفرق القوية والكبيرة لاعتبارات عديدة، وفرق أخرى تم تصنيفها في قائمة الفرق الضعيفة.
في هذا الإطار، واعتبارا لكل التحولات التي عرفتها كرة القدم العالمية، ونالت الشرعية من أعلى جهاز تسييري في العالم وهو الاتحاد الدولي لكرة القدم «الفيفا»، أصبح مفروضا على كرة القدم المغربية ألا تخرج عن هذا التنظيم الكروي الدولي، وأن تعمل بالتالي على مواكبة الأنظمة المحدثة والاستجابة لها، خاصة ما يتعلق بتحول الأندية إلى شركات. فهل ستغيب موازين القوى عند تطبيق نظام الشركات؟
أكيد، كما في العلاقات الدولية وحضور موازين القوى التي تعتمد في تصنيف الدول، تظل أنديتنا الكروية محكومة بهذه الموازين ولن يتغير الحال ولا التصنيف حتى لو تحولت إلى شركات رياضية، فالمعايير لن تتبدل وستظل قوة القاعدة الجماهيرية، زائد التاريخ والبطولات والألقاب، هي من تتحكم في ميزان التصنيف، هذا بالإضافة طبعا إلى « قوة» رئيس الفريق، وشخصيته وموقعه في المجتمع السياسي والاقتصادي، وعفوا رئيس الجامعة، موازين القوى ستظل حاضرة مهما تجددت القوانين والأنظمة مع استمرار وجود كائنات تسييرية في أنديتنا، لا تعترف بأسلوب الحكامة ولا بالتدبير العلمي، ولا بوضع مخططات للتكوين وللهيكلة، وللأسف، هي كائنات مازالت متوغلة في المنظومة الكروية لا تتزعزع، بل ومتوغلة حتى في الهيكل التسييري للجامعة.. !
هنا، يجب بذل مزيد من الجهد حتى تتساوى الأندية كلها أمام القانون، يجب العمل على أن يصطف الرؤساء كلهم على نفس الميزان أمام النظام والقانون والشرع.. وأعجبني، في نفس الجلسة إياها، تشبث رئيس الجامعة وتمسكه بمنطق كل الأندية، كل الرؤساء، جميعهم متساوون ولا تمييز بينهم أمام القانون.. وأعجبني البلاغ الأخير المتعلق بتحديد آخر أجل لعقد الجموع العامة للأندية، على أمل ألا يخفت حماسكم ولا تفاؤلكم السيد الرئيس.. وعلى أمل ألا تميز موازين القوى بين الأندية ورؤسائها أمام قوة القانون.. !
شخصيا، أتفاءل وأنا أسمع منكم، رئيس الجامعة، أن زمن كرة القدم الوطنية الحالي، يحتاج إلى انخراط كفاءات علمية وأفواج من الباحثين و الأطر الذين يتخرجون كل سنة من مختلف معاهدنا العليا..
نتفاءل بحذر، في الحقيقة، ونتفاءل في انتظار تحول الكلام إلى فعل وإلى واقع..
ونتفاءل إلى أن تمر ثلاثون يوما، الأجل المحدد لعقد الجموع العامة للأندية، ولاسيما منها من تملك «موازين القوى» كالوداد، الرجاء، الجيش الملكي كنموذج وكمثال..!

الكاتب : عزيز بلبودالي - بتاريخ : 26/01/2018