بالمباشر: موسم الجموع العامة
عزيز بلبودالي
عاد موسم الجموع العامة للجامعات الرياضية وللأندية والجمعيات كما يعود، كل سنة، بنفس العناوين، وبنفس الأجواء، وبنفس الوجوه. غير أن لا شيء يمكن أن يثير الاهتمام في هذه الجموع، نفس الكلام ونفس النقاش، ولا جديد ولا مؤشر يشير إلى أن هناك مواكبة لما يحدث حولنا في عالم الرياضة العالمية.
نفس الملامح ونفس الروتين في جل الجموع العامة التي تعقد هنا وهناك، ونحن الذين كنا نأمل في أن التغيير سيفرض نفسه بعد دستور 2011 وما تضمنه من إشارات واضحة رفعت من قيمة الرياضة الوطنية وبوأتها المكانة التي تستحقها كواحد من الحقوق الإنسانية التي لا بديل عنها ولا يمكن تمييزها عن باقي الحقوق الأخرى.
صحيح أن المشرع اجتهد بعد صدور قانون 30.09 وبعد دسترة الرياضة في دستور 2011، حيث وضعت أنظمة جديدة وقوانين تؤطر أشغال الجموع العامة وتقنن مثلا طريقة الترشح لعضوية المكاتب المديرية أوللرئاسة، ومنها مثلا تحديد فترة شغل منصب الرئيس في ولايتين لا ثالثة لهما إلا بشروط، أبرزها أن يكون الرئيس متوفرا على عضوية أحد الاتحادات الدولية الرياضية، وربما هو الأمر الذي دفع رؤساء كثيرون لجامعاتنا إلى الهرولة نحو انتزاع تلك العضوية الدولية..ربما !! إلا أنه يتم في معظم الجموع القفز على كل تلك القوانين والأنظمة، ولا أحد يجرؤ على قول: قف إنه تجاوز للقانون!
حل إذن موسم الجموع العامة، وهناك جامعات عقدت فعلا جموعها العامة في أجواء هادئة وبنفس الوجوه، وتليت وعرضت التقارير، و»نوقشت» وصودق عليها في غالب الأحيان بالإجماع، ولا جمع عام واحد من تلك الجموع العامة ناقش مثلا أو فكر في وضع تصور مستقبلي أو سطر برنامجا عمليا وماليا لأي مدى زمني، قريب أو متوسط أو بعيد. يكتفي الجمع العام، كما كان يحدث في السابق، باختيار أفخم الفنادق مكانا لعقد الجمع العام، توزع الغرف الجميلة وتمد موائد الولائم، وفي موعد النقاش، لا يجد الرئيس ومكتبه المديري أي صعوبة في تمرير تقارير التدبير والصرف، وحتى عندما تنتفض فئة توصف وتنعت مثلا بالفئة المعارضة، تتم محاصرتها بخلق شروط تعرقل أكثر مما تساعد على النقاش، وإلا ما معنى عدم توصل مكونات الجمع العام بالتقارير المالية، على الخصوص، إلا في يوم وموعد الجمع، علما أن التقارير المالية بصفحاتها غير المتناهية وبأرقامها المعقدة، يلزم لفهمها ولقراءتها أياما طويلة ويلزمها أيضا دعما ضروريا لخبرة الخبراء إن لم نقل لمكاتب دراسات.
يحل موسم الجموع العامة لتجد ملامح الوجوه وقد طرأ عليها فجأة كل التغيير، يصبح الرئيس دائم الحضور والظهور، لا يرد فقط على الاتصالات الهاتفية، لكن تجده المبادر للاتصال، يسأل عن عضو في مكتبه، ويستفسر « بحنان وبعطف» عن أحوال هذا النادي أو غيره. يصبح أكثر ابتساما، أكثر انفتاحا على الإعلام وعلى أضواء الكاميرات وآلات التصوير. ينتقل من هذه المدينة لأخرى، يحط في هذا الملعب لينتقل إلى ملعب آخر، يتفقد ويزور كل الأندية التابعة لجامعته، يوزع الوعود وينسج الأحلام، يكثر من الحوارات الصحفية ويتحدث عن الإرادة والعزيمة والاجتهاد وسط المتاعب والإكراهات.. يردد لمن يريد أن يسمعه أو لمن لا يريد أن يسمعه، أنه متطوع ولا يمكن له التراجع، بالرغم من التعب ومن حاجته للراحة، لأنه ببساطة لا يمكن أن يرفض من لجأ إليه من الأندية التي يصر مسيروها على أن يواصل تحمل المسؤولية!
يحل موسم الجموع العامة، فتجد الرئيس ينشر تصريحاته ويوزع تحليلاته، ويبشر المحيطين به بأنه قرر مواصلة تحمل المسؤولية إلى أن يظهر من يكون خلفا صالحا له.. وبأنه سيواصل التضحية بوقته وأشغاله لصالح الجامعة، معتبرا نفسه من خانة « إلا من رحم ربي»، وفي كلمته الافتتاحية في الجمع العام، سيتمسك بالاستدلال بمضمون الرسالة الملكية حول الرياضة، واضعا نفسه في قائمة « خدام البلد» الذين يضعون أنفسهم رهن إشارة الوطن وخدمته.
صحيح أن كل الجموع ليست هكذا، وليس كل الرؤساء، لحسن حظ رياضتنا، هكذا، فهناك جموع عامة، وبكل موضوعية، تعقد في شروط أشبه بمدرجات الكليات والمعاهد، حيث يعلو النقاش ويرتقي، وتتحول أشغال الجمع إلى شبه مناظرة أو محاضرة في تشخيص الواقع الرياضي ومحاولة تحليله ووضع مقترحات من أجل تطويره. لكن وللأسف، هذا النموذج قليل إن لم نقل جد نادر.
هو موسم الجموع العامة قد حل أوانه، فيا ليتهم يفهمون أن عملية تصحيح أوضاع الرياضة تنطلق أساسا من محطة الجمع العام!
الكاتب : عزيز بلبودالي - بتاريخ : 27/12/2017