تحديات قمة كيغالي 

بديعة الراضي

استوقفتني هذا الأسبوع، الزيارة التي قام بها رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي موسى فكي، الآتية على مسافة زمنية قصيرة من انعقاد القمة الإفريقية المرتقبة، بتاريخ 21 من شهر مارس الحالي، في العاصمة الرواندية كيغالي.
زيارة جاء في أجندتها ملف الصحراء المغربية، والمعرفة الدقيقة لموقف الجزائر منها، ارتباطا بالتكتلات الإقليمية، التي تشكل ركيزة في النهوض بإفريقيا، بناء على اتحادات صلبة وقوية وموحدة وتضامنية.
وإن كنا نعرف جيدا موقف الجزائر من قضية وحدتنا الترابية، ونحن على أبواب إقفال 42 سنة من النزاع المفتعل، والذي واجه فيه المغرب، بعقيدة راسخة وبصبر وتحد، الظلم والتحامل الذي وظفت فيه عائدات البترول وخيرات الشعب الجزائري من أجل الانتصار لمعركة الوهم، الذي فرضها نظام جنرالات الجزائر على أشقائنا، فإننا نعي جيدا أهمية الخطوة التي أقدم عليها موسى فكي، بل نعتبرها خطوة في قلب قناعات المغرب، المعبر عنها في أكثر من مناسبة، من موقع كافة مؤسساته، كون التكتل والوحدة والتضامن، باعتبارها خيارات استراتيجية لنا، لا يمكنها إلا أن تعود بالخير والازدهار على شعوب المنطقة بكاملها، وهي الشعوب التي اعتبر المغرب مواردها البشرية رأسمالا حقيقيا للنهوض بتنمية القارة وتطورها، ونستحضر في هذا الصدد الرسالة التي رفعها جلالة الملك محمد السادس إلى القمة العادية للاتحاد الإفريقي المنعقدة مؤخرا بأديس أبابا، والحاملة لخطاب واقعي واستراتيجي لمفهوم النهوض بالقارة بمنظور مختلف عن بقايا خطابات الحرب الباردة، والتي لا نستهين اليوم بخطورة اجترارها ووجودها كعوامل معيقة للنهوض بالمفاهيم الجديدة المطروحة، المتجاوزة لكافة السلبيات، تلك المكرسة في بعض أذهان مواطنينا القابعين في منطقة تيندوف، بعوامل توظيف مقزز ومتاجر فيه عبر الحدود، حد النجاح في تكريس الضبابية والتعتيم بآليات ترك فيها النظام الجزائري أوضاع شعبه الاجتماعية والاقتصادية، المنعكسة على الأوضاع المعيشية الملموسة، ويوجه قطاعات بكاملها للسهر على التحرش بوحدة المغرب في الواجهة الدولية. وهو الوضع الذي يجعل دبلوماسيتنا مطالبة بالتدريب على عوامل « مكر مفر..» ، وأن « يحطها السيل من عل» ، وإن اقتضى الحال، أن يكون منسقها قادرا على إطالة أظافره تحسبا لأي يد تمتد في غفلة إلى وجهه، وهو مقبل على الدخول إلى قاعة اجتماع تهم شأننا الإفريقي، والحال أن استعمال أدوات أخرى، كفيل بإنهاء حياة دبلوماسي آخر رسمي أو مواز، اشتد غضبه عندما رأى الظلم يتحول إلى مناورات باسم القانون، متحرشة بسيادة المغرب على أراضيه، في نهج يسعى من خلاله الخصم إلى جعل أقاليمنا الجنوبية خارج معركة التنمية التي يعمل المغرب على اقتسامها مع كامل إفريقيا، بلغة التضامن الحقيقية، وبثقافة «التمغربيت»، المؤمنة بالمثل الذي يقول: « فين ما تمد يد تمد عشرة».
ولهذا فالخطاب الذي حمله موسى فكي إلى الجزائر، لن ترتاح له هذه الأخيرة، وستعيد نفس الأسطوانة، أن الأمر يتعلق ب»استعمار»، تعي جيدا قمة الافتراء فيه على مغرب واجه الاستعمار الحقيقي على تراب الجزائر نفسها من أجل الاستقلال، وقدم التضحيات الجسام كي تكون الجزائر حرة اليوم.
كما أنها ستكرر أسطوانة «تقرير المصير» والحال أن مصيرا آخر يريده النظام الجزائري لأبنائنا القابعين في تيندوف في انتظار كودو، مصير يجرد أطفالنا ونساءنا وشيوخنا وشبابنا من هويتهم المغربية، نحو اللا هوية، وكأنهم عبيد تستباح أرواحهم وأعمارهم وصحتهم وعيشهم بل وخبزهم ورغيفهم، إرضاء لنخوة مستوردي سيجار هافانا.
وهي النخوة التي تشد هؤلاء من قفاهم وتعلقهم من أمعائهم، لخلق مزيد من المتاعب لشعبنا هناك، في الدفع بالعديد من المزايدات لعرقلة أية حلول مقترحة ومعقولة، وفي مقدمتها، الحكم الذاتي الذي استحسنته، ومازالت تستحسنه، العديد من الدول الموصوفة بإعمال العقل في حل مختلف القضايا الحدودية وفي حل النزاعات، علما أن قضية الصحراء المغربية هي نزاع مفتعل، أبدعه خصوم المغرب دفاعا عن الزعامات الوهمية التي ولدت كل هذه المتاعب لساكنة هُجرت بالفعل والقوة إلى خيم في العراء ، تستجدي وثائق الهوية التي تحجب عنها وقت اللزوم، وتحاصر حتى في تحركاتها داخل التراب الجزائري، باستثناء قيادة الوهم والدائرين والدائرات في فلكها.
هذا الاستثناء الذي تطور حتى أصبح ريعا كبيرا استسهل فيه تجار المعاناة حجم الكارثة الإنسانية المنتصبة في قلب إفريقيا بكافة تحدياتها، في الاتجار بالبشر والمخدرات والتهريب والإرهاب، وهي القضايا التي تتفاقم وتكبر، بعوامل انتعاشها، بعرقلة حل إرجاع ساكنة تندوف إلى وطنهم المغرب، ليقرروا مصيرهم بالفعل، مع أبناء عمومتهم وإخوانهم وأخوالهم، للنهوض بجنوبهم الذي هيأ المغرب خرائط نمائه، وشرع بالفعل في إرساء معالمه نحو مستقبل سيعود خيرا على منطقة بكاملها، باعتبارها جسرا تنمويا حقيقيا نحو إفريقيا التي ينبغي أن تكون، وهي إفريقيا التي ننخرط اليوم في كافة توجهاتها الإيجابية مع أغلبية عقلائها، لنبذل المجهود معا بجعل سنة 2020 لـ ««إسكات أصوات البنادق» في القارة، وعاماً للتحدث بصوت واحد بشأن القضايا الأمنية الرئيسية وقضايا السلام، وذلك عن طريق تبني مواقف مشتركة ومتفق عليها «.
نقول هذا ونحن نعي جيدا حجم المناورات التي يخططها النظام الجزائري، ومعه البوليساريو، منذ أن أعلن بول كاغامي، الرئيس الدوري للاتحاد الإفريقي، ورئيس روندا، في ختام القمة الإفريقية الـ 30 بأديس ابابا عن عقد قمة استثنائية في كيغالي في الأسبوع الثالث من شهر مارس الحالي، والإشارة إلى فرصة إطلاق منطقة التبادل الحر في القارة الإفريقية (زلاك)، كما نعي حجم تعثرنا الدبلوماسي، أمام التحديات التي تواجهنا في ملف قضيتنا الوطنية، التي هي قضية شعب بكامله وبمختلف مؤسساته، لكن ما نريد أن ننبه إليه أمام الرأي العام الدولي، أن المغرب صاحب قضية، وأن قناعته الراسخة بوحدة ترابه وسيادته على أراضيه لن تسمح بتجاوز الخطوط الحمراء التي حددت أفقها النهائي في حكم ذاتي في إطار جهوية موسعة يعمل المغرب على بناء جسرها الصلب بالمأسسة القانونية والسياسة التضامنية في المجتمع والاقتصاد نحو وطن الكرامة والعدالة الاجتماعية.

الكاتب : بديعة الراضي - بتاريخ : 15/03/2018